أوضح الكاتب أحمد الخميسي، أنه حين نسأل هل أفرزت الثورة ثقافتها فإننا نتوقع الإشارة إلى كتب ودوواين شعر وروايات وكل ما يتعلق بإبداع النخبة؛ لأن ذلك هو الفهم الشائع للثقافة، ومن منظور هذا الفهم سأقول: كلا، لم تفرز الثورة ثقافتها، لم تهبنا مسرحيات مثل «الناس اللي فوق» لنعمان عاشور، ولا مجموعات قصصية ك«أرخص ليال» ليوسف إدريس، ولا غير ذلك؛ مما صاحب ثورة يوليو 52. وأضاف: «لم تمنحنا ثورة 25 يناير مذاقها الخاص بعد في الثقافة، مع أن هناك أعمالاً إبداعية كثيرة متناثرة وبديعة، إذا قسنا الثقافة بمفهوم أنها إبداع النخبة».
وقال إن الثقافة ليست كذلك فقط، بل هي بالأساس ليست إبداع النخبة رغم أنه هو الأكثر لمعانًا، فالثقافة هي تجربة حياتية أيضًا، وثمة فلاحون بسطاء مثقفون يعرفون عن الزراعة أضعاف ما تحفل به عشرات الكتب للأكاديميين، وفي أغنيات المهد التي تغنيها الأمهات لأطفالهن من الشعر ما قد يفوق قدرة أكبر الشعراء.
وأضاف الخميسي، أن الثقافة إلى جانب كونها تجربة، هي أيضًا فعل تغيير الواقع، وعندما تبنى في بلد ما سدا عاليًّا ومصانع فإنك تنشر ثقافة علمية مغايرة وتبديل الواقع هو ثقافة.
ورأى أن ثورة يناير بدلت الواقع وأتت معها بثقافة الرفض والتمرد وتقديس الحرية، وبهذا المنظور فإنها أفرزت ثقافتها وقامت بنقلة نوعية في الوعي العام.. نعم أفرزت ثقافتها وبقوة حين أعلت بين الناس من شأن وقيمة الكرامة الإنسانية.
وأشار إلى أن، المثقفين شريحة كبيرة، لم يكن لها تاريخيًا موقف واحد يجمعها، حتى في لحظات الخطر الداهم على الوطن.. انظر مثلاً الموقف الشهير لإبراهيم الهلباوي المحامي الذي تخير أن ينطق باسم الاحتلال الإنجليزي في حادثة دنشواي، ومواقف صحف وكتاب كثيرين أيدوا الاحتلال خلال الثورة العرابية، وفي أيام مبارك كان هناك قطاع واسع شغله الشاغل التغني بمحاسن الركود السياسي والفقر والتبعية، وحتى يومنا هذا ستجد مثقفًا يعلن في التلفزيون أن الثورة التي تطالب بالخبز هي ثورة شحاتين، كأنما على الثورة أن تطالب بالتورتة والبيتي فور. وأكد أن المثقفين المهمومين بقضايا الوطن قاموا بدورهام في إشعال الثورة، في الأدب وفي الصحافة وفي الإعلام وفي كل مجال، لكن المشكلة لم تكن نشر الوعي بتدهور أوضاع بلادنا، وإنما كيف نغير تلك الأوضاع، وهو سؤال آخر أجابت عنه الثورة بطريقتها الخاصة. كما أكد أن روح الثورة وصلت إلى الثقافة بشقيها الرسمي والأهلي بعد عامين من اندلاعها، فقد هبت رياح الثورة على الثقافة الشعبية كالعاصفة، وأعتقد أن هذه الروح قد ترسخت الآن، فالقيادة لم تعد مفهومًا مقدسًا لدى الناس، وكل ما كان ثابتًا أصبح متحركًا، لكن على المستوى الرسمي لا أعتقد أن هذه الروح أو هذه الرياح قد خلخلت الأبنية والمؤسسات القائمة بعد.