تصوير: حسام بكير شباب وأطفال يخطون وسط عائلات كاملة مهجرة أولى خطواتهم داخل تلك المنطقة مجهولة الملامح، التي وعدوا بأن تكون بيتهم المؤقت في منتصف الثمانينيات، بعد أن سقطت بيوتهم في حي الجمالية، يسيرون وسط وعود الحكومة التي وثقوا بها أن تمنحهم حياة جديدة بعد 6 أشهر كحد أقصى، إلا أن الوعود تحولت لسراب، ولم يبق غير الموت يحيط بهم من كل الجهات. من يضع يده على أرض يبني بها عشته على الأقل تملك سقف يستره، هكذا وصفها الأهالي بيت ثم آخر البعض توفره الحكومة والآخر مجموعة أخشاب تجتمع مع قطع صاج مكونة عشة لا تصمد أمامها الأمطار، ثم استغلال وانتهازيين يسيطرون بأموالهم على حق من لا يملك، حتى تكونت مستعمرات الدويقة لتضم بداخلها مناطق الوحايد والأتنينات على حافة جبل غرب القاهرة وسط بيوت حرموا حتى فيها من خصوصيتهم وإنسانيتهم في مأوى آدمي، ثم تأتي منطقة التلاتات، وهي الأقل ضرارًا فبيوتها من ثلاثة أدوار، يقسم كل دور إلى شقق والشقة الواحدة بها أسرتان أو أكثر بحمام مشترك للجميع. ويروي أحد الأزواج الذين جاءوا مع أبنائه الخمسة "ساكنين شرك في البلوكات دي من أيام التمانينات كل أسرتين في شقة بحمام واحد بقالنا أكتر من 30 سنة، من أيام محمود الشريف لما وعدنا يرجعونا بيوتنا في الجمالية بعد 6 شهور بس ومفيش كلام طلع صح، وحتى هنا البيوت سوست مبقتش مستحملة مفيش علاج، ولا تعليم وحتى الصحة مابقتش قادرة تستحمل". أينما اتجهت تجد الموت ينتظرك، ومستعد لاستضافتك، فالهواء تحيطه المصانع الملوثة والمجاري عرض مستمر وسط البيوت، بعد أن لحقتها البيوت المتهالكة التي تحاول مقاومة التسوس الذي ينهش أجزاءها القطعة تلو الأخرى، ووسط كل ذلك عليك أن تحافظ على أنفاسك وبدنك سالمًا، فلا يوجد أطباء، وإن عثرت على بعد أميال لن تملك ثمن العلاج. ويستكمل أب لخمسة أبناء "البيوت عشوائية كلها في البنا، وحتى لو عايز تعيش كبني آدم لازم تدفع فلوس، كل حاجة بفلوس ندفعها مياه، مجاري، كهربا، بس إحنا معناش، مطالبنا مش مستحيلة كل مطالبنا ينضفوا البيوت اللي كالها السوس ونشرب مية نضيفه بعيد عن المجاري، نفسنا نتنفس هوا نضيف حتى نعيش بس، مش كل ما ينفذوا شقق المفروض إنها لينا يدوها للي يدفع أكتر ويبعوها ويرجعوا تاني عشان يكسبوا أكتر إحنا فين والناس اللي تستحق من 30 سنة فين". وشكا زوجان آخران جاءا للدويقة من أكثر من 30 عاما، "مفيش علاج واللي عايز يتعالج يروح الحسين بس حتى مفيش فلوس للدوا، المكان جابلنا السكر والقلب وأمراض الدنيا، وتعلق الزوجة "جايين صحتنا بومب من سنة 85 بقينا مش قادرين نمشي حتى، وكل الوعود كذب، بنو مدارس عند الدويقة والمطحن، لكن مين سكنهم مش إحنا سايبنا ببيوت مشرخة وقرارات إزالة كل شوية في لحظة ممكن نموت، ولا حد هيحش بينا روحنا عملنا محاضر نستنجد حد يساعدنا نلحق البيوت مفيش حد بيسمعنا". تمر الأيام على سكان المنطقة كبار وصغار على أمل الحياة، فأقصى طموحهم الحياة في صورة تتقارب حتى للآدمية يجدون فيها العلاج والسترة، كما يصفون يجدون من ينقذهم من سوس يعيش في أبدانهم قبل بيوتهم، يتمنون تعليما جيدا لأبنائهم، فقط يتمنون أن يصل صوتهم لمن يشعر بالمستحقين فعليًا ليس من يدفع أكثر.