تحولت الدروس الخصوصية إلى سرطان ينهش جسد المجتمع المصري، وتنامت الظاهرة خلال العقد الأخير، وتحولت إلى واقع لا يمكن إغفاله، وأصبح المدرس يذهب إلى المدرسة لجلب التلاميذ إلى الدروس الخصوصية، الأمر الذي دفع الدولة إلى البحث عن وسيلة لمحاربة هذا الوباء الذي أصاب قلب العملية التعليمية في مصر. وكان الحل بإصدار قانون بالسجن من 5 - 10 سنوات لمن يثبت قيامه بإعطاء الدروس الخصوصية، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد عن 100 ألف جنيه، ما تسبب في ارتياح لدى أولياء الأمور، وغضب بين صفوف المدرسين. مشروع القانون ومن المنتظر أن يتم عرض القانون الجديد - الذي يُجرم الدروس الخصوصية - على مجلس النواب لإقراره رسميًا، وقد شارك في إعداده عدد من خبراء القانون ورئيس الشؤون القانونية بوزارة التربية والتعليم. وتضمنت مواد القانون معاقبة كل من يشارك في إعطاء الدروس الخصوصية بعقوبات متفاوتة من الغرامة المالية التي قد تصل إلى 100 ألف جنيه، أو السجن من 5 - 15 سنة كعقوبة مشددة. وتنطبق العقوبات على كل درجات المعلمين من درجة معلم مساعد إلى كبير معلمين، ومدراء المدارس، كما تطبق تلك العقوبات على معلمي المدارس الخاصة والحكومية بنظام المكافأة أو الحصة، وذلك من خلال منح الضبطية القضائية لمديري الإدارات والمديريات والمدارس؛ لتقديم ما يُثبت إعطاء أي معلم للدروس الخصوصية؛ لمعاقبته وفق نص القانون. غضب بين المدرسين وأعرب عدد من المدرسين عن استيائهم من مشروع القانون، مؤكدين أنها حرب على معلمي مصر، وقال أحمد رائف، مدرس لغة عربية، إنه حال تنفيذ القانون، فإن المدرسين سيتحولون إلى مسجلين خطر وهاربين من تنفيذ أحكام، وسيتم ملاحقتهم في المدارس والمنازل. وأضاف عادل محمد، مدرس فلسفة، أن القانون يحاصر المدرسين ويساويهم بالخارجين عن القانون وأرباب السوابق، والمتهمين في وقائع مخلة بالشرف والأمانة. وأوضح محمد أحمد، مدرس كيمياء، أنهم سيتحولون بعد صدور أحكام ضدهم إلى مسجلين خطر في الفيزياء والكيمياء بدلاً من مدرسين، لافتًا: "سيتم ملاحقتنا من مباحث تنفيذ الأحكام، وسنتحول إلى مجرمين وفارين من العدالة"، بحسب تعبيره. إمبراطورية المدرسين وعبر أولياء الأمور عن سعادتهم البالغة بمشروع القانون الجديد، مؤكدين أنه سيساهم بشكل كبير في القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، ويدفع المدرسين للعمل بشكل جاد داخل الفصول، بدلاً من استقطاب الطلاب إلى الدروس الخصوصية التي ساهمت خلال السنوات الماضية في بناء "إمبراطوريات مالية" للمدرسين، إضافة إلى استنزافها جزء كبير من دخل الأسرة. وقال أحد الأباء، إنه كان يضطر للعمل بأكثر من وظيفة؛ لتوفير أموال الدروس الخصوصية، لافتًا إلى أن من لديه طفلين في الوقت الحالي، ربما لا يستطيع الإنفاق عليهما بسبب تلك الآفة. وأشار أحمد عامر، مهندس، إلى أن الدروس الخصوصية كانت في الماضي للقادرين فقط، أما الآن فأصبحت فرض عين على الجميع، والمستفيد الوحيد في النهاية هو المُدرس، الذي يدخل الفصل ويجلس دون شرح، ويكتفي بالشرح في مراكز الدروس الخصوصية فقط، كما أنه يعمل على ترهيب الطلاب بأكثر من طريقة؛ لإجبارهم على حضور الدرس الخصوصي دون رقيب. التربية والتعليم في مواجهة حيتان الدروس الخصوصية من جانبها، بدأت وزارة التربية والتعليم في إعداد مشروع قانون التعليم الجديد، والذي حذرت المادة 120 منه إعطاء دروس خصوصية خارج المدرسة أو مجموعات تقوية بمقابل داخل المدرسة، ومن يثبت عليه ذلك ينذر أول مرة، وإذا أصر على المخالفة، يُحال إلى المحكمة التأديبية، على أن تقوم المدرسة بعمل برامج لمعالجة الطلاب الضعاف في جميع المواد وبرامج لتنمية الطلاب المتفوقين وبرامج لرعاية الموهوبين داخل المدرسة بالمجان. نقابة المعلمين المستقلة وفي أول رد من نقابة المعلمين المستقلة، أكدت رفضها لمشروع قانون "تجريم الدروس الخصوصية"، خاصة أنه يقضي بسجن المعلم من 5 - 15 عامًا، مشيرة إلى أن المواجهة الحقيقية لتلك الظاهرة السلبية من خلال وضع سياسات جديدة، تضمن لجميع المصريين، الحق في تعليم حقيقي متطور وشامل ومتكامل وديمقراطي، وفصول لا تزيد الكثافة بها عن 30 طالبًا بالمدارس الحكومية، مزودة بكافة أساليب التقنية الحديثة للتعلم. وشددت النقابة على أن وزراء التربية والتعليم والخبراء الذين أصدروا مشروع القانون هم المسؤولون عن تدهور التعليم وغيرها من الظواهر السلبية في المنظومة بشكل عام، لافتة إلى أن تطبيق القانون سيترتب عنه بعض النتائج السلبية منها إدخال التعليم فيما وصفته ب"متاهة"، وهروب المعلمين من العمل بالمدارس الحكومية إلى المدارس الخاصة، أو العمل بنظامي الحصة أو الأجر، ويزداد العجز بالمدارس الحكومية، وتزداد سوق البطالة.