"كانت صور مؤلمة، تلك التي تعيد إلى الأذهان الأهوال التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، الأطفال الهزال وعظامهم مرئية تحت الجلد، وأصواتهم الضعيفة التي تتسول من أجل الغذاء، وهيكل عظمي للرجل مات جوعًا.. القصص وراء هذه الصور ليست أقل كارثية: الأسر تتناول العشب والأوراق، والآباء لا يأكلون شيء على الإطلاق ليبقى أطفالهم على قيد الحياة"، كانت هذه مقدمة افتتاحية صحيفة "الجارديان" البريطانية، اليوم الجمعة، التي خصصتها للحديث عن مأساة بلدة "مضايا" المحاصرة. وتابعت الصحيفة "لم تكن هذه المشاهد من كتاب تاريخ العصور الوسطى، ولا من بلد منكوبة بالكوارث الطبيعية، ولكن من سوريا اليوم، حيث قائمة الفظائع التي يتعرض لها المدنيون لا يبدو لها نهاية". وأشارت "الجارديان" إلى أن مأساة "مضايا"، المحاصرة منذ يوليو من العام الماضي، فجأة لفتت انتباه العالم من قبل النشطاء السوريين وشبكات المعارضة الذين لجأوا إلى نشر الصور والفيديو على الإنترنت، وهو ما وصفته بأنه "تحرك جيد". ولفتت إلى أن قافلة المساعدات الأولى من الأممالمتحدة وصلت أخيرًا في وقت سابق من هذا الأسبوع، في حين تصل الثانية يوم الخميس، وكان مسؤولون بالأممالمتحدة وعمال الإغاثة الدوليين قد وجدوا ما لا يقل عن 400 حالة حرجة تعاني من نقص التغذية، ووفقًا لمنظمة "أطباء بلا حدود" ما لا يقل عن 28 شخصًا، بينهم ستة أطفال، قد ماتوا جوعًا. وعلقت الصحيفة بالقول "استراتيجية الحصار القديمة عادت مرة أخرى، فالنظام السوري، بمساعدة من جنود المشاة الإيرانيين، اختار هذه الطريقة لاستعادة السيطرة على الطرق الرئيسية التي تربط بين دمشق والحدود اللبنانية والمناطق الساحلين، فسياسة (التجويع أو الاستسلام) انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني". وقالت "الجارديان": إن "ما يضيف للفضيحة الإنسانية في مضايا، هو أن هذه الجريمة، التي يجب الآن أن تكون موثقة بشكل دقيق من قبل لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة، قد استغرقت وقتًا طويلًا لتصل إلى الرأي العام والجهات الفاعلة الدولية. واعتبرت أنه كان حصار إنساني وإعلامي أيضًا، ونموذجًا لنظام الأسد، حيث يتم اختطاف الصحفيين بشكل روتيني، مضيفة "من دون الغضب الدولي، كان من الصعب تحديد متى ترفع الحكومة السورية الحصار عن المدينة التي يسيطر عليها المتمردون". وأكدت الصحيفة أن "مضايا" ليست استثناء، مشيرة إلى ما ذكرته الأممالمتحدة بأن هناك على الأقل 15 بلدة سورية أخرى محاصرة حاليا، وأكثر من 400 ألف شخص لا يمكنهم الوصول إلى الغذاء والدواء. "بعد عامين تقريبًا من قرار الأممالمتحدة الذي يجبر الأطراف المتحاربة على السماح بوصول المساعدات، يبدو أن الوضع يزداد سوءًا"، مشيرة إلى أن عدد "السوريين في خطر" يتضاعف، كما أن إنقاذ "مضايا لا يجب أن يعمى أحدًا عن حقيقة استمرار الفظائع ضد المدنيين، أو أن نظام الأسد وحلفاؤه يتحملون المسؤولية الكبرى، الآن الأولوية هي لتوصيل المساعدات، ولكن من الضروري عدم إغفال الحاجة إلى ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم".