لكل عملة معدنية صورة وكتابة. فإذا افترضنا يا عزيزى أن هناك عملة ستحمل صورة السيدة لميس جابر فى مستقبل الأيام! فما هى الكتابة التى تتوقع أن تكون على وجهها الآخر؟ أنا شخصيًا لا شك عندى أن تلك الكتابة ستكون "المملكة المصرية"! لكن الشىء المؤكد إنها لن تكون عملة ذهبية للملكة لميس جابر الأولى والعياذ بالله! فهى لن تخرج عن كونها مجرد عملة تذكارية نحاسية رخيصة بحجم زر القميص، لها قيمة بخسة للغاية، سيأمر مولاها الملك العائد من المنفى بسكّ وجهها عليها كمنحة ملكية بسيطة، اعترافًا منه بجهودها المستميتة التى ساهمت فى عودته الظافرة متوجًا على عرش مملكته المصرية من جديد! هذا محض خيال ساخر لكنه يعتمد على كتابات وأقوال مسجلة أذيعت على الفضائيات لهذه السيدة التى تعشق الملكية، ويقودنا لسؤال فى غاية الأهمية: لماذا وافق الرئيس السيسى على قرار تعيينها كنائبة فى برلمان جمهورية مصر العربية رغم أنها أعلنت مرارًا فى برنامجها على قناة أوربت بأن الملكية كانت أفضل من الجمهورية؟ المشكلة المخجلة هنا أنه سيتحتم عليها أن تقسم، كاذبة، على احترام النظام الجمهورى! لا أقول هذا كمن يفتش فى ضمائر الآخرين. فهذا هو موقفها المعلن الذى لا يخفى على أحد. فأحاديثها الكثيرة فى وسائل الإعلام، وعلى وسائل التواصل الإجتماعى، وفى الفيديوهات المسجلة بصورتها وصوتها، سواء فى برنامجها الذى أشرت إليه، أو فى برامج أخرى كانت تستضيفها، تثبت كلها أنها تعلن بمنتهى الوضوح والصراحة والشجاعة أيضًا عن عدم ولائها واحترامها لنظام يوليو الجمهورى، وعن تمجيدها وتفضيلها للنظام الملكى السابق عليه. الأمر الذى يعنى ببساطة، وبلا أى ادعاء عليها، أنها ستكون كاذبة عندما تقسم أنها ستحافظ مخلصة على نظام الدولة الجمهورى! ناهيك أيضًا عن أن قسمها سيكون مطعونًا فى صدقه كذلك فى موضع آخر يتعلق باحترامها للدستور. لأنها تعادى ثورة يناير، التى يصفها ذلك الدستور فى ديباجته بالمجيدة، بينما تصفها هى دائمًا بالنكسة والمؤامرة! لا توجد عندى أية مشكلة فى أن تؤمن لميس جابر بأى قناعة تناسبها يرضى عنها عقلها، ويستريح إليها ضميرها، مهما اختلف معها كثيرون. فالدستور ينص صراحة على حرية المواطن فى اختيار قناعاته والتمسك بها كيفما يشاء. لكن المشكلة تبدأ عندما يتولى ذلك المواطن منصبًا تشريعيًا يلزمه بالقسم، وبالقيام بواجبات دستورية تتعارض مع قناعاته تلك. ساعتها إما أن يعلن على الملأ تراجعه عن قناعاته السابقة، أو أن يعتذر عن تولى ذلك المنصب وينسحب احترامًا لنفسه ولقناعاته وللشعب الذى وافق بأغلبية كاسحة على دستور لا يجوز لنائب أن يقسم على احترامه بينما مواقفه المعلنة تؤكد أنه يضمر لديباجته الإزدراء! وحتى لو افترضنا أنها ستفتح صفحة جديدة تزامنًا مع بدء حياتها النيابية، فيجب عليها التوقف مستقبلًا عن التصريح، أو التلميح، بما يشى بعدم احترامها للنظام الجمهورى أو لثورة يناير، وإلا استلزم الأمر خضوعها للمساءلة بتهمة الحنث باليمين الدستورية. تصريحات لميس جابر الكثيرة الأخرى عن رغبتها فى إلغاء دعم الدولة للتعليم الجامعى وعن تشجيعها لرفض تعيين أبناء البسطاء المتفوقين فى المواقع القيادية المتميزة تتعارض أيضًا مع الدستور الذى يلزم الدولة بالتوسع فى التعليم والإنفاق عليه بصورة تصاعدية، ومع مبدأ تكافؤ الفرص. أما قناعاتها الأخرى التى تعلنها دائمًا حول ضرورة التطبيع الكامل مع إسرائيل والتخلى التام عن دعم القضية الفلسطينية فهى مستفزة بلا شك، ولكنها فى نهاية الأمر تخصها وحدها لأنها تتعارض فقط مع المفاهيم السياسية والمشاعر الإنسانية ولا تتعارض مع القانون. للحق كل ما أشرنا له سابقًا ليس مشكلة لميس جابر وحدها، فهناك من النواب المنتخبين من يفصحون مثلها عن عدائهم لثورة يناير، ولكن عشقها المعلن للملكية، وعداؤها للنظام الجمهورى يجعل خطأ اختيارها كنائبة غير منتخبة أكثر فداحة بكل المقاييس لأنه يفضح عدم صلاحيتها للتعيين فى برلمان الجمهورية! كثيرون منا ينظرون بإعجاب كبير إلى الملكيات الديمقراطية الغربية، ولا يمكن لأحد أن يلومهم على ذلك. فعلى سبيل المثال يزدحم قانون العمل السويدى، كمملكة دستورية، بترسانة من الحقوق العمالية جعلت بعض الأدبيات السياسية المعاصرة تمنحها لقبًا غريبًا هو "المملكة الإشتراكية"! بينما تجد المملكة البريطانية، التى لا تملك دستورًا تعج قوانينها هى الأخرى بضمانات سياسية وحقوق اجتماعية تجعلها من أعرق ديمقراطيات العالم. ممالك العالم الغربى المتقدم جعلت من الملكية صورة رمزية لأسر تتوارث العروش. تملك بلادها صوريًا، ولا تحكمها، ولا تتحكم بها كما يحلو لها. كما أن توارثها لألقابها الملكية لا يمنع تداول السلطة ديمقراطياً، واعتلاء أعتى الأحزاب الإشتراكية سدة الحكم إن حصل بالإنتخاب على أغلبية برلمانية. الشعوب التى تعانى من غياب العدالة الإجتماعية فى جمهوريات الموز لن تنصلح مؤسساتها فجأة وتهطل عليها السعادة عندما تتحول "اليافطة" التى يعيشون تحتها إلى مملكة البطيخ! بلادنا التى تصنع من الرؤساء الذين ينحدرون من أسر عادية متواضعة قياصرة وأباطرة، وتطلق على أصغر أمين شرطة لقب باشا، وتسمح له بسلخ الغلابة فى ثلاجات الأقسام لم تصبح هكذا لأنها تحولت من ملكية طاهرة إلى جمهورية شريرة! ففى الحالتين تغيب عنها الأسس التى تصنع دولة ديمقراطية دستورية تدفعها مؤسساتها المنضبطة على طريق العدالة الإجتماعية. لهذا فلا تنتظر منها سوى أن ترفع الملوك ذوى الدماء الزرقاء، إن عادوا، إلى مرتبة الألوهية! إضرب السمك واللبن والتمر الهندى فى الخلاط، وخذ جرعة كبيرة من المزيج واطلق لخيالك العنان وامرح مع نائبة تناضل فى برلمان ولىّ النِعم الجمهورى لإقناع الهيئة التشريعية من أجل استعادة العمل بقانون العيب فى الذات الملكية!