لا أظن أن أحدا فى هذا الوطن لم يعد يدرك ويعترف علنا وهو منفطر القلب مرتج وحزين بأن شبه جزيرة سيناء، تلك القطعة العزيزة الغالية من أرض مصر، وأشدها خطورة وحساسية كذلك، باتت الآن تغوص وتغرق أمام عيوننا وباضطراد مستمر ومتسارع فى كارثة وطنية حقيقية، من شأنها أن تفتح كل أبواب الجحيم على مصاريعها، مهددة وجارحة بقسوة البطن الناعم للبلد وكاشفة أول وأهم خطوط الدفاع عن أمنه وسلامة ترابه. وليس خبرا جديدا بالطبع، أن الوضع المأساوى المتفاقم حاليا فى شبه الجزيرة لم يهبط علينا وعليها فجأة من حيث لا ندرى ولا نحتسب وإنما تمتد جذور أسبابه ومعطياته إلى عقود طويلة خلت، وتحديدا منذ عادت إلى حضن الوطن وهى منقوصة السيادة ومنزوعة السلاح الكافى لحمايتها وصد أطماع العدو عنها، لكن الطين زاد بلة فى ظل سياسات راكمها نظام المخلوع أفندى وولده على مدى ثلاثين عاما، أقل وصف لها أنها سياسة إجرامية ومتهورة وغير مسؤولة كرست وعمقت نوعا من الفصم والفصل البشرى والجغرافى لهذا الجزء من أراضينا عن باقى امتداد الوطن المصرى، وتركت المواطنين السيناويين نهبًا لشتى صور القهر والظلم والإفقار والتخلف، إذ خاصمت أى نشاط اقتصادى تنموى واكتفت فقط بانتزاع واصطفاء أجزاء منتقاة من أرض سيناء زرعت فيها «بوتيكات» ملمعة و«بؤرا سياحية» محدودة العدد ومسرفة فى الاغتراب، ولا أثر إيجابيا لها (تقريبا) على حياة السكان! غير أن هذا الوضع المزرى أصلا تفاقم بؤسه واشتد خطره على نحو دراماتيكى بعدما نجحت جماعة الشر الفاشية السرية بالتآمر والمخاتلة والتزوير، فى الصعود إلى سدة الحكم على أشلاء ثورة المصريين، فهذه «الجماعة» بدت بمشروعها الفكرى الشاذ والجهول وبتوجهاتها وعربداتها التخريبية، غير مهتمة ولا مكترسة بأية مصلحة وطنية أو شعبية وإنما همها وجهدها كله انصب على محاولة تنفيذ أوهام خطف البلد دولة ومجتمعا واستعماله كمجرد قاعدة لبناء إمارة ظلام وتأخر متعدية الحدود ومتعددة الجنسيات، وهو أمر وفر فورا بيئة صديقة وحاضنة ومستقطبة لعصابات تكفيرية مسلحة تعانى (كما جماعة الشر) اضمحلالا وفقرا مدقعا فى العقل والضمير والأخلاق، فضلا عن قابلية هائلة للتوظيف والاختراق من شتى أنواع وأصناف الأجهزة الاستخبارية العدوة. هذا هو السياق الذى أتى ضمن مساره حادثة خطف سبعة جنود مصريين عُزّل واتخاذهم رهائن لمقايضتهم بسجناء مدانين بتهم ثقيلة.. إنه الحلقة الأحدث (ولا شىء حتى الآن ينبئ عن أنه سيكون الأخير أو الأسوأ) فى سلسلة جرائم مروعة ومتتابعة استهدفت جميعا تحدى هيبة الدولة المصرية وكسر إرادتها ومرمغة الأرض بسمعتها وتبديد ما تبقى من ثقة فى قدرتها على فرض احترام سيادة قوانينها على أراضيها وتوفير أبسط وأقل واجباتها فى حماية مواطنيها! باختصار، لقد كانت هذه الحادثة الإجرامية الأخيرة وغير المسبوقة، بمثابة إعلان صاخب وفضائحى بأن مصر مندفعة فعلا وبسرعة هائلة نحو نموذج الدولة الفاشلة العاجزة بامتياز.. دولة نسيت أو تناست أصلب وأهم مؤسساتها عمدًا أن 16 جنديا من جنودها قتلوا قبل نحو عام كامل، غيلة وغدرا وبخسة منقطعة النظير، بينما كانوا يبللون شفاههم ويكسرون صيامهم بشربة ماء! فما العمل إذن؟!.. سأحاول الإجابة بعد غد، إن شاء الله.