رغم مرارة الحال وقسوة الحياة فإنها أبت أن تكون سيدة يضرب بها الأمثال ويحتذى بها في الحنان والمعاملة الحسنة، حيث مسكن يفتقر إلى جميع الخدمات المعيشية على حافة إحدى الترع بقرية شطورة التابعة لمركز طهطا شمال سوهاج، تعيش بخيتة موسي سيد أحمد حكاية من الصعيد المنسي، إذ ترعى معاقة تبنتها في الماضي مصابة بشلل الأطفال وإعاقة ذهنية كاملة لمدة 40 عامًا، فلقد توفى زوجها منذ زمن ولا يعيش معها أحد بعد زواج نجلاتها. عندما يبتلي الله إنسانًا ويرزقه بطفل معاق يئن ليلَ نهار من تربيته، إلا أن الجدة بخيتة لا تعرف العناء من تربية تلك المسكينة التي تركها أهلها، وأعطتها كل الحنان والإخلاص، فما بين التربية والاهتمام بنظافتها يعيشان على مدار عشرات السنين لا يعلم عنهما المسؤولون شيئًا، حتى إن السيدة العجوز بلغت من العمر عتيًّا وقارب عمرها على المئة عام، بينما صباح قارب عمرها على الخمسين عامًا ولا تقدم الدولة لهما أي دعم مادي سوى جنيهات معدودة من الشؤون الاجتماعية لا تكفي لشراء وجبة غذائية يأكلها الأثرياء. تقول السيدة المصرية الأصيلة إنها تبنّت صباح على مدار عشرات السنين، بل كرّست حياتها لخدمتها في شتى متطلبات الحياة اليومية، قائلة بصوت تقشعر له الأبدان: "نعيش على بيع الفول النابت، ونحمد الله، وهي أكلة شهيرة في قرى سوهاج والصعيد، ولا نمتلك من الدنيا حطام شيء، حتى إنني فقدت نور عيني اليسرى بسبب الفقر وعدم تمكّني من إجراء عملية جراحية، وما زلت أحمد الله في كل وقت وحين على نعمه التي لا تحصى". وبنبرات من الحزن تختم الجدة بخيتة قصتها، قائلة: "يوم نلقى ناكل ويوم مانلقاش ونصبر"، متمنية أن تحصل على فرصة لزيارة بيت الله الحرام تختتم بها رحلة كفاحها المريرة، "لكن العين بصيرة واليد قصيرة" على حد وصفها، ولا تملك من الدنيا إلا منزلها وهو عبارة عن غرفة واحدة بها حمام صغير تعكف داخلها على تربية صباح المعاقة ذهنيًّا، ولا تستطيع الحركة، فالأم العجوز تقدم جميع ما تملك من أجل إرضاء مَن تبنتها في الماضي من مأكل ومشرب وملابس. نعم إنها سيدة صعيدية قدمت حياتها لمَن تبنتها من رعاية وحنان رغم أنهما تقطنان بمسكن لا تتوفر فيه أي وسائل الراحة والمتعة، فعند هبوط الأمطار والسيول تهرولان إلى مسجد مجاور لهما يحميهما من المياه، ثم العودة من جديد إلى مسكنهما المتواضع، فدائمًا ما تدعو الله إذ تبتغي رضاه.. فهل ينظر المسؤولين بالمحافظة إلى هذه السيدة العظيمة، ويتم تكريمها كونها مثالاً وقدوة في الأمومة والحنان والعطف؟ أم يتم نسيانها؟