ترفع طفلة تجلس أمامي سبابتها وتشير للسماء وهي تهتف "طيارة.. طيارة"، تغتصب من تحملها الابتسامة وتقول: "ربنا يتوب عليكم من دي فسحة".. يبدو أنها جدتها. نركب جميعا جرارا زراعيا أضافوا له عربات حديدية ملونة بألوان زاهية ليصبح "طفطف"، لم تفلح الألوان في إ زاحة مظهر الكآبة عن المشهد كله، يتكدس الجميع وما يحملونه، أكياس بلاستيكية، حقائب متفاوتة في الحجم والحال، كراسي بلاستيكية، وأطفال يرتدون ملابس كأنهم في طريقهم إلى الاحتفال بالعيد. يرد رجل مسن متأخرا على زميلته: "والله لولا بيفرحوا بهم ما كنا جبناهم المشوار ولا القرف ده كله". نصل إلى ساحة صغيرة ملأها من وصلوا قبلنا، الملل مرتفع فوق وجوه المئات، في منتصف الزحام نبت طابورين، أحدهما للسيدات والآخر للرجال. في مساحات أخرى افترشت عائلات الأرض، جلسوا على الرمال أو كراتين مهملة أو ملاءات بها ثقوب صغيرة. الطابور يتحرك ببطء شديدة، هذه مرحلة التسجيل، تعطي أمين الشرطة بطاقتك واسم السجين، يبدأ الواقفون في تبادل الآراء ويشير أحدهم إلى ألواح البناء وأكياس الأسمنت ثم يعلق: بيبنوا تاني .. العدد كبير. الأعداد تزيد، وأرقام الكشوف تقترب من العشرين، يقول أمين الشرطة إن الزيارات ستقسم إلى ثلاثة. تخبر السيدة التي تقف إلى جواري سيدة أخرى أنهم في الكشف الرابع عشر، تبدأ ابنتها في إخراج لسانها لي ومحاولة ضربي وهي تضحك. تعود أخرى إلى الزاوية، تخرج من حقيبة طفلتها كراسة وتبدأ في كتابة خطابا استغلالا لوقت الانتظار، بينما الطفلة تجري إلى الخارج وتحاول لعب دور السجان بإغلاق باب ساحة الانتظار والجري بعيدا. يبدأ أفراد الزيارة الأولى في حمل حقائبهم والاصطفاف في طابور ثالث لسماع أسماء من لهم حق الزيارة، ثم التفتيش وبعد ذلك الدخول. ينتهي التسجيل فيعود الجميع للبحث عن مكان لراحة جسده وانتظار آخر. يتعرف اثنان من الواقفين على بعضهما، يتذكران أنهما التقيا قبل ذلك، يضيف أحدهما أنه ظن لغيابه أن السجين الذي يزوره خرج فلم يعد يأتي، ويقول الآخر أنه ظن نفس الشيء. في الطابور فتاة تحمل باقة ورد تبدو خجلى من المشهد وتنظر في الأرض من حين لآخر، يضحك شخص ويلقي بدعابة عن الورود فيمتقع وجهها ثم توجه كلامها له بتصميم غريب: بابا بيحبه، يرد هو بأنه لم يتناول أي طعام من الصباح كي لا يضطر إلى دخول حمامات المكان القذرة. تخرج مجموعة صغيرة مرة أخرى حاملين ما تم رفضه ومنعه من الدخول، يتركونه في جانب البوابة الضخمة ليحملوه بعد أن ينتهوا من الزيارة، ثم يعودون إلى الداخل. أزياء الأطفال في الطابور زاهية رغم الحدث، صغيرة ترتدي ملابس الكريسماس وتحمل بالونة سرعان ما انفجرت، بينما صوت جلبة وعراك يأتي من المقدمة، تعود سيدة وهي تصرخ وتدعو الله أن ينتقم. يلحق بها ضابط يحاول تهدئتها وإدخالها مرة أخرى، فتقول أنها اعترضت على مرور حفيدتها على جهاز كشف المعادن فسبها فرد الشرطة، ثم يخرج أمين الشرطة المسئول عن الكشوف وهو يصرخ أنها أهانته ولن تزور ابنها، يحاول الضابط التهدئة ويحاول الباقون إقناع السيدة أن تصمت، بينما أمين الشرطة يقسم أنها لن تدخل، وإن دخلت فلن يسمح بنزول أبنها لتراه. يحمل "الطفطف" من خرجوا من الزيارة بينما الليل يقترب، تنظر فتاة إلى السماء وتقول "الليل والسجن" ثم تصمت، تضحك من تجاورها وتضيف: آه.. هترجعي تكتبي على فيسبوك عن الزيارة بقى.