شاعر، وصحفي، ورسام كاريكاتير، ومؤلف أفلام، وممثل، ومنتج، كل هذه المواهب في شخص واحد، اسمه في الأوراق الرسمية محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي، ونعرفه نحن ب"صلاح جاهين". في ذكرى ميلاد صلاح جاهين، ال85، مواليد ٢٥ ديسمبر، ١٩٣٠، نعيد التذكير بواحدة من أهم معارك جاهين الفكرية. فمثل كل المبدعين كان لجاهين معاركه دفاعًا عن الحداثة، وحرية التعبير، لعل أشهرها تلك التي كانت مع الإمام محمد الغزالي، كان سلاحه فيها الكاريكاتير، وسلاح الشيخ الخطب على منابر المساجد والتحريض ضده.
الأزمة بدأت من المؤتمر الوطني للقوى الشعبية برئاسة جمال عبد الناصر، في ٢٧ مايو عام ١٩٦٢، عندما طالب الغزالي في كلمته ب«تحرير القانون المصري من التبعية الأجنبية، وتوحيد زي المصريين، وضرورة احتشام المرأة»، ودعا الغزالي إلى منع ملابس النساء القصيرة، أو التي تكشف الصدر أو الظهر. ملابس المرأة المصرية في ستينيات القرن الماضي
ونشرت جريدة الأهرام كلمة «الغزالي»، ومعها تعليق اعتبر أن كلمة الغزالي هي أول إهانة للمرأة المصرية بعد ثورة يوليو.
في اليوم التالي رسم جاهين الذي كان يعمل ب"الأهرام" وقتها، الشيخ الغزالي واقفًا على منصة يلقي كلمته منفعلاً، وسقطت عن رأسه عمامته البيضاء، وتحت الرسم كتب جاهين ساخرًا «الشيخ الغزالي: يجب أن نلغي من بلادنا كل القوانين الواردة من الخارج، كالقانون المدني وقانون الجاذبية الأرضية». غضب الغزالي من الرسم، وهاجم جاهين في إحدى جلسات المؤتمر، فرد جاهين برسم آخر يسخر من الشيخ، وهكذا استمرت المعركة كلمة هنا ورسمة هناك. وتحول الخلاف في الرأي بين جاهين والإمام الغزالي، إلى معركة دينية، اتهم فيها جاهين بأنه "عدو الإسلام".
ودخلت "الأهرام" بشكل رسمي على خط المعركة وكتبت في افتتاحيتها يوم 31 مايو ١٩٦٢ أن “الأهرام” تقدس الدين وتحترمه، ولكنها ترفض محاولة الشيخ الغزالي أن يجعل من الخلاف في الرأي بينه وبين صلاح جاهين رسام الجريدة قضية دينية، وأن الجريده تؤمن بحرية الرأي، لذلك تنشر نص كلمة الغزالي احترامًا لحقه في إبداء رأيه مهما كان مختلفًا مع رأي الجريدة، مع إعطاء الحق لصلاح جاهين أن يبدي رأيه هو الآخر، فيما يقوله الشيخ. وفي الصفحة السابعة نشرت 6 رسمات جديدة لجاهين ينتقد الغزالي، وتحتها كتب إن "ملابس الشيخ الغزالي لا تعطيه حصانة تجعل آراءه فوق النقد". وفي أحد الرسومات كتب جاهين شعرًا في الغزالي جاء فيه: هنا يقول أبو زيد الغزالي سلامة وعينيه ونضارته يطقو شرار أنا هازم الستات ملبسهم الطرح أنا هادم السينما على الزوار أنا الشمس لو تطلع أقول إنها قمر ولو حد عارض.. يبقي من الكفار ويا داهية دقي لما أقول ده فلان كفر جزاؤه الوحيد الرجم بالأحجار فأحسن لكم قولوا (آمين) بعد كلمتي ولو قلت! الجمبري ده خضار! زاد غضب الشيخ وحرض على جاهين في كلمته الأخيرة بالمؤتمر، وقال «إن مهاجمة العمامة البيضاء أمر يستدعي أن يمشي العلماء عراة الرأس إذا لم تُحمَ عمائمهم».
كشك يهاجم صلاح جاهين
ولم يكتف الغزالي بذلك وإنما صعد المنبر يخطب في الناس يوم الجمعة، وكان غالبية المصلين من طلبة الأزهر، في تلك الخطبة هاجم الغزالي جاهين، فغضب الطلبة وبعد الصلاة هتفوا ضده، وحملوه على الأعناق، وخرجوا من المسجد قاصدين جريدة "الأهرام"، حيث صلاح جاهين، ولم يكتفوا هناك بالهتاف، بل التفوا حول مبني "الأهرام" ورموه بالطوب وكسروا زجاجه، وغضب الأستاذ هيكل من هذه التصرفات الطائشة، فكتب مقالاً وقعه باسم «الأهرام» اتهم فيه الشيخ الغزالي بتحريض المتظاهرين. وتطورت الأحداث بين "الأهرام" والغزالي، وتدخلت رئاسة الجمهورية وزار الغزالي "الأهرام"، واجتمع مع هيكل، وانتهى الخلاف. ولخص جاهين تلك المعركة في رباعية من رباعياته الشهيرة: لولا اختلاف الرأي يا محترم لولا الزلطتين ما الوقود انضرم ولولا فرعين ليف سوا مخاليف كان بيننا حبل الود كيف اتبرم؟