المؤلف الأمريكى الأشهر كان يكتب من الوضع واقفًا رغم أنه كان يمتلك مكتبًا مجهّزًا فى البرج الجنوبى الشرقى لبيته الكبير فى ضاحية سان فرنثيسكو جى باولا بالعاصمة الكوبية، فإنه لم يكن يصعد إليه إلا بعد أن تسيطر عليه شخصياته. كان إرنست همينجواى (1899-1961) يُفضّل الكتابة واقفًا بنعل البيت فى قدميه، يكتب بخط اليد وبعدها يكتب على الآلة الكاتبة، بغرفته المضيئة. مكان إقامته كان مقسّمًا لغرفتين، وكان مكتظًا بالأوراق والكتب والنوتات الصغيرة، ومجموعة من المواد البيبليوجرافية التى بقت فى البيت بعيدًا عن أيدى الباحثين والأكاديميين الأمريكيين لمدة تتجاوز النصف قرن، لكن يوم الإثنين الماضى تبدّل الحال، إذ تم نقل هذا المحتوى الذى يضم 2000 وثيقة إلى مكتبة jfk ببوسطن وفى نسخة رقمية. وقفت مؤسسة فينكا لا بيخيا الأمريكية وراء هذا المشروع، بعد أن قامت جينى فيليبس بزيارة الجزيرة الكوبية عام 2004 «جينى حفيدة الناشر وصديق همينجواى الأقرب ماكسويل بيركينز»، وكان بصحبتها المحاضر جيمس ماك جوفرن، المدافع عن تطبيع العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة. تضم مبادرة المؤسسة تحسين شروط حفظ المواد الموجودة، وترميم البيت، وتشييد مبنى جديد يحافظ على درجة الحرارة والرطوبة. وقد أقام همينجواى فى كوبا فى نوفمبر 1959، عندما وصل كاسترو إلى الرئاسة، لكنه هجرها فى العام التالى فى شهر يوليو، بعد أن جمع مخطوطاته وأوراقه التى اعتبرها قيّمة فى خزانة، وترك فى مزرعته 60 ألف كتاب، أممتها الحكومة الكوبية. الكاتب والصحفى المغامر، الذى كان خطًّا فاصلًا فى الأدب الأمريكى، انتحر فى يوليو عام 1961، حينها تمكّنت إدارة كيندى من التفاوض مع أرملته مارى، لتقوم برحلة أخيرة لكوبا، فأحضرت معها مركبًا ممتلئًا بالأوراق والكتب التى أودعتها فى مكتبة بوسطن. الأوراق التى وصلت يوم الإثنين الماضى إلى بوسطن تقترب من الجانب المنزلى واليومى للكاتب: ملاحظاته حول المد والجزر والطقس، مدوناته التى سجّلها فى أثناء الإبحار فى الشرم محاولًا ملاحظة الغطس الألمانى فى الأربعينيات، بالإضافة إلى جواز سفره وخطاب إلى إنجريد بيرجمان، وقوائم بالمشتريات وإيصالات الحسابات فى البارات. أجزاء من حياة لا يزال الشغف حولها مثارًا، والعثور عليها يكمل البازلت ليتشكّل جزء جديد من صاحب «العجوز والبحر» فى تلك المزرعة الكوبية الجميلة التى كتب فيها هذه الرواية وروايات أخرى كثيرة.