كتبت- حسناء محمد: - مأساة إنسانية: سهيرة ذات الأعوام العشرة تتزوج من خليجى مقابل 10 آلاف جنيه.. والموت مصيرها بعد يومين - دينيًا.. حرام شرعًا ومُقزز اجتماعيًا وينشئ مجتمعا جاهليًا - طبيًا.. إما الوفاة وإما أمراض مزمنة كالسرطان والأطفال المشوهة نتيجته الطبيعية - نفسيًا.. ينمى غريزة الانتقام لدى الفتيات.. ويحدث خللا بالجهاز العصبى يؤدى إلى الجنون لتوّها أكملت عامها العاشر، ساقها قدرها لأن تولد لأسرة فقيرة بقرية لا تختلف حالًا عن أسرتها، ولدت سهير بقرية ميت كنانة، التابعة لمركز طوخ بمحافظة القليوبية، الشهيرة بزواج القاصرات لسائحين عرب. كانت أكبر إخوتها، شاء قدرها أن يُفلس والدها، وتتركم عليه الديون. لم تكن كبيرة بشكلٍ كاف لتدرك حجم ما يُهدد والدها، لكنها أيضًا لم تكن صغيرة على أن تُدرك تلك النظرة الحزينة المُنكسرة بعينى والدها، ولم تخطئ عينها الصغيرة فى ملاحظة عينى أمها المُلتاعة وهى تنظر لزوجها، وأب أولادها، كمن يخشى فقده بين لحظة وأخرى. زواج ثم موت قررت «سهير» بأعوامها العشر ألّا تقف مكتوفة الأيدى أمام حزن والدتها وانكسار والدها، لكن ماذا يسعها تقديمه لهم، لا تمتلك سوى نفسها، وهى، كما تعلم، ثروة فى قريتها. توجهت إلى والدها تطلب منه أن يذهب بها إلى بيت «أم فتحى»، الشهير بسمسرة الزواج. فُزع والدها بمجرد أن اقترحت الأمر، قال لها: «على جثتى، لو هاموت مش هاعمل كده»، فحسمت أمرها وتوجهت خلسة إلى «أم فتحى»، وعقدت الصفقة، هى مقابل 10 آلاف جنيه. إلّا أن «سهير» لم تكن كبيرة كما توقعت، ولم تحتمل زواجها من الخليجى الثرى، وتوفت بعد يومين، لتترك والديها، بوجوه تركت الدموع أثرًا فى مجراها على وجهيهما، يطاردهما شبح أنهما باعا ابنتهما ب10 آلاف جنيه. لم يختلف حال سهير كثيرًا عن حال باقى بنات «ميت كنانة»، فمنهن من ماتت مثلها، حتى أصبح الأمر اعتيادًا، كأنه روتين القرية، ومنهن من حملت وأنجبت أطفالًا بلا هويّة، لمجرد أن ثرى عربى أراد الزواج فترة إقامته بمصر. الخصوص.. هنا تجارة الفتيات لم يتوقف الأمر عند ميت كنانة، بل امتد إلى مدينة الخصوص بالقليوبية، التى تحولت إلى وكر لاتجار الفتيات، إمّا بالدعارة، أو الزواج السياحى. الخصوص فى ذاتها، كانت مكانًا أكثر من مناسب لأى تجارة غير مشروعة، حيث تُحاط بالقمامة، وتجارها ومزارع الخنازير، من جميع الجهات، فيما يُخفى قلبها تجارة من نوعٍ آخر، أكثر وحشية، وهو تجارة البشر، حيث تنتشر بها بيوت الدعارة، علاوة على بيوت الزواج السياحى، فيما قرر البعض الجمع بين المجالين، فالطابق الأول للدعارة، والثانى للزواج السياحى. بأحد شوارع الخصوص، تقف «هالة» الحزن يكسو ملامحها، رغم مُضى فترة ما، إلّا أنها لم تجد سبيلًا لصرفه عن بالها ولو لثوانٍ. تفكر فى حالها، كيف اضطرتها القرية للعمل معهم، «يا فى الزبالة، يا فى الدعارة»، لم يكن لها حلم سوى إبعاد أختها الصغرى، ذات الإثنى عشر عامًا، عن أيدى أهالى القرية. باءت جميع مساعيها لإنقاذ أختها بالفشل، وتزوجت من أحد أثرياء العرب «تخليص حق» من والدهما، لتُصاب بمرض الإيدز، الذى يلتهم جسدها الصغير يومًا بعد يوم، بعد أن سافر زوجها وتركها، لا هى قادرة على علاج نفسها، ولا حتى قادرة على التخلّص من حياتها. ورغم بشاعة ما يحدث بالخصوص وميت كنانة، إلّا أنه يجد ما يُبرره، فالفقر قد يضطر أى شخص لبيع نفسه وأقرب أقربائه فقط من أجل حفنة جنيهات، غير أن زواج القاصرات، بل والقُصّر، فى العائلات الكُبرى، ليس له أدنى مُبرر منطقى، كإقامة كُبرى عائلات شبرا الخيمة «مصطفى النجار» حفلًا، لخطبة ابنهم أحمد، فى العاشرة من عمره، ل«هالة»، فى الثامنة من عمرها. كارثة مجتمعية يُعد زواج القاصرات كارثة مُجتمعية، لِما يُنتجه من أمراض، وأطفال بلا هويّة أو سِجلات، ويتطلب حلّه مُبادرة مجتمعية يشارك فيها جميع طوائف المجتمع، الأمر الذى أكده وكيل وزارة الأوقاف الشيخ صبرى ياسين، مُضيفًا أن هذا الأمر حرام شرعًا، ومُقزز اجتماعيًا. كما أوضح ياسين أن هناك خلطًا بين مفهوم الزواج المبكر وزواج القاصرات فى العالم الإسلامى والعربى، إذ أطلق البعض مُسمى الزواج المبكر على زواج القاصرات، والعكس. وأشار إلى أن الزواج المُبكر فى الإسلام مُحبب، وليس فرضًا كما يُشيع المتشددون، لحماية الشباب من الفتن. وأضاف أن المجتمعات العربية فرضت سنًا للزواج، لحماية الشباب من التسرع والزواج الفاشل، ولتمنحهم وقتًا كافيًا للنضوج فكريًا. وأتى المتحدث باسم حزب النور السلفى بالقليوبية محمد العليمى ليُخالف ما قاله وكيل الأوقاف، قائلًا: «الفتاة طالما بلغت حقها من الزواج شرعًا، فإن تزويجها سيحميها من المجتمع غير الأخلاقى، والمُفترس، وعلى الزوج أن يتركها تُكمل تعليمها، ويحافظ عليها من شرور المجتمع». أمراض مزمنة أمّا طبيًا، فقد أكدت طبيب النساء والتوليد الدكتورة أميرة سلطان خطورة زواج القاصرات، باعتباره يؤدى إلى وفاة الطفلة غالبًا، أو إصابتها بأمراض مُزمنة، كسرطان الرحم، بجانب قتل حواسها الجنسية، علاوة على كثرة حالات الإجهاض، أو ولادة أطفال مُشوهة. نفسيًا، أكدّ أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس الدكتور أحمد السيد، أن زواج القاصرات مُدمر للمجتمع، قائلًا: «هو القشة التى ستقسم ظهر البعير، وإذا استمر، سيدمر المجتمع نهائيًا بشكل كامل». وتساءل: «كيف نطالب بمجتمع واع أخلاقيًا وثقافيًا، فيما تخرج الفتيات من ذلك الزواج مُدمرة ومنتهية نفسيًا؟». وأضاف السيد أن كثيرًا من حالات الإجرام والقتل، يكون دافعها زواج فتاة وهى طفلة، لافتًا إلى أن زواج الطفلة وتعدّى الرجال عليها يقتل غرائزها الحسية، الجنسية وغير الجنسية، كما يُصيبها بخللٍ فى جهازها العصبى، ويقوم غريزة الانتقام لديها، بل إن بعض الفتيات تُصاب بمرض الريبة، وقد تصل إلى الجنون، بفعل كهربة المخ الزائدة، التى تُصاب بها أثناء خوفها من الاعتداء، لافتًا إلى أن هناك كثيرًا من السيدات أُصيبن بأمراض جنسية سيكولوجية، بسبب زواجهن المبكر، حيث تشعر المرأة مع الوقت بالفتور الجنسى. وضرب أستاذ الصحة النفسية مثلًا بطفلة احتجزها أهلها بالمستشفى الذى يعمل به، مستشفى الخانكة، باعتبارها مجنونة، والسبب زواجها وهى فى الثامنة من عمرها، مما أصابها بالهلع والجنون. أمّا عن الزواج المُبكر، يقول السيد إن المرأة هى الدعامة الحقيقية للمجتمع، وزواجها دون اكتمال نضوجها، يؤدى إلى انعدام قدرتها على التعامل مع أطفالها، أو تربية وتنشئة جميل جيد وناضج. سلعة مستوردة من ناحية أخرى، يقول أستاذ الإنثروبولوجى بجامعة الإسكندرية الدكتور سليمان عادل، إن زواج القاصرات سلعة مستوردة من خارج مصر، حيث إن التحليل الانثروبولوجى التاريخى للمجتمع المصرى، القديم والحديث، أكد ذلك. أمّا عن الزواج المبكر، فهو عادة عربية، تعلّمها الشعب المصرى بعد اندماجه مع العرب، بعد دخول عمرو بن العاص مصر، لكن مصر الفرعونية والقبطية رفضته رفضًا تامًا. كما قالت المحامية بمحكمة الأسرة لبنى عبد الحفيظ إن المحكمة يرد عليها يوميًا كثير من حالات الطلاق والخلع، لكن النسبة الأكبر لحالات الخلع، الناتجة عن رفض الزوجة لزوجها، وفيها يتراوح عمر الزوجة فى الغالب بين 17 و19 سنة، ما يُثبت زواجها المبكر، وتصل حالات الزواج المبكر الفاشلة، والتى تنتهى بالخلع أو الطلاق، إلى 70%. من جانبها، تقوم جمعية صنّاع الحياة بالقليوبية بعمل دراسات بالتعاون مع جمعية رسالة للأعمال الخيرية، لمعرفة نسبة الزواج المُبكر بالمحافظة، التى جاءت نتائجها على لسان مسئول حقوق المرأة نها أيمن بالشكل التالى: نسبة الزواج تحت سن ال13 بلغت بين الإناث 55% مُقابل 7% للذكور، وهو ما يؤكد انتشار الزواج السياحى. فيما بلغت نسبة زواج القاصرات بالقليوبية 60%، مُقابل 74% للزواج المُبكر، كما خرجت دراسة لليونيسيف تؤكد أن مصر تحولت إلى محطة انتقال لتجار البشر، بعد ارتفاع نسبة زواج القاصرات إلى 95%.