ماذا يفعل المثقف هذه الأيام؟ مشغول بوزير الثقافة الجديد. المثقف واضح ومحدد، يعرف جيدا ما يريده، ويتحدث فيه بكل صراحة. يعرف المثقف مثلًا أن حياة الثقافة فى مصر ومستقبلها مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالوزير، بالوزارة، بالهيكل، بالمبنى، بالمسارح المهجورة، بالرقابة، بالمؤتمر، بالندوة، بممارسة العقائد، بعجائز الفرح، بمشاريع لم ترَ النور، بنور لم يصل للمشاريع، بمشاريع فى وادٍ ونحن فى وادٍ، بصندوق التنمية، بتنمية الجيوب، بجيوب واسعة، بالرقص البلدى، بالبلدى يوكل، ومين اللى بيركبها، تلاقيه الواد فلان. المثقف مشغول، وموظفو الوزارة يترقبون، والإشاعات تعم البلاد، والبيانات تصدر: نطالب بتثبيت الحال، سيب لنا الوزير بتاعنا، وبتاعنا اتخلى عنّا (راجع رأى الوزير فى حرية ممارسة الشعائر الدينية لغير الأديان السماوية) أو هاتوا لنا الرقيب، الرقيب يبقى وزير، ابعد عنى الإخوانى، حافظوا على ثقافة بلدكم، لا تتخلوا عن هويتكم. وهوية بقت تيار، والتيار بيحدد سياسات الوزارة، والوزارة عاوزة نور، والنور عند القنديل، والقنديل عند المرشد، والمرشد عاوز يرشد. والمثقف يرفض سياسة الإخوان، لذلك قدّم استقالته، ولما عرض عليه الإخوان الوزارة، وافق ب«آه يا كزوووفى». المثقف مشغول بسؤال وجودى: من يكون وزير الثقافة؟ والأسماء التى كانت المطروحة ليست من بين المثقفين، ليست من داخل الكهنوت الثقافى، بل من داخل الكهنوت الدينى. هذا يؤرق المثقف، بالطبع يجب أن يؤرق المثقف، المثقف لا ينام خشية أن تتحول المسارح إلى كتاتيب، أن يركّب الرقيب لحية، أن يدعم صندوق التنمية أفلاما إخوانية بدلا من الأفلام الليبرالية التى كان يدعمها. المثقف قلق، خوفًا من ذهاب الجوائز إلى الأدب الإسلامى، من أن تتحول المطبوعات لكتب حسن البنا وعن حسن البنا، من أن يعمل مركز الترجمة لخدمة أهداف إخوانية، ومنها: صورة المسلم فى الأدب الغربى. المثقف قلق، ومن حقه أن يكون قلقًا، قلق على الثقافة، على الهوية، على قصور الثقافة المتربة، وسلاسل الدولة البطيئة، المثقف يقول إن ما لا يدرك كله لا يترك كله، المثقف محق، لكن التيارات الإسلامية تقول نفس الشىء، لأن نفس الشىء يُقال منذ سنوات طويلة، طويلة مثل أيام الظلام، مثل صبر المثقفين، مثل طول صف المتلونين. المثقف يتساءل: لماذا لا نصلح ما أفسده النظام البائد؟ هيا نصلح، إيدى على كتفك، الوزير المثقف انحاز إلى العسكر ضد ثوار محمد محمود، والوزير المثقف قدم استقالته وعاد فيها بعد حصوله على الجائزة، والوزير المثقف يلتزم الصمت أمام أخونة الدولة، مستخبى فى ركن، فى حتة متدارية، والمدافعون عنه يطالبون باستمراريته خوفًا من أخونة الوزارة. المثقف يدافع عنه، المثقف الذى يختلف معه فى كل شىء يدافع عنه، لكن نفس المثقف، يا للغرابة، لم يطالب بإلغاء وزارة الثقافة، ذراع السلطة، حظيرة المثقفين، برستيج الدولة الشمولية. المثقف مشغول، مشغول جدا هذه الأيام، لا يرى تفكيك مفاصل الدولة، لا يرى محاولة أخونة القضاء، لا يهتم بصفوف السولار، لكنه مشغول، مشغول جدا، بوزير الثقافة الجديد، الإخوانى، الذى لا بد أنه سيمنع السينما والمسرح والفنون ويعود بنا إلى عهود الظلام. المثقف يريد تأجيل المعركة، المثقف رومانسى، لا يريد المواجهة، ولا يقف ضد المؤسسة: خلّى الوزارة زى ما هيه، بس هات لى وزير مثقف. يا أخى اتلهى.