حدثنا ندمان على خيبة العربان قال: كانت هناك أشتات من شعوب، تسكن الوديان والسواحل والدروب، تنتشر بين المحيط والخليج، يحيط بها دهاة الأحباش والفرس والعلوج، من غلاظ الطباع والقلوب، من تعودوا استباحة ديار العرب بالحروب، هذه الشعوب يعرفها العالم باسم العرب العاربة، رغم أن فيها بربرًا وكردًا وعربًا مستعربة، كان لهم تاريخٌ مجيد؛ ومجدٌ تليد، ثم صاروا عالة على القريب والبعيد، وصارت بلادهم ملعبًا لكل مغامر عربيد. وبعد ما يقارب الأربعة قرون من الحروب بين الروس والعثمانيين، انتقلت المواجهة من ساحاتهم إلى أرض الأمويين والعباسيين، وصار العرب كالحشيش تحت أقدام الفيلة المتصارعة، وحلت بديارهم الحاقة والقارعة، وتحول العربان بقوة بأسهم الشديد بينهم؛ إلى موضوع مهمل لا أحد به يهتم، وكان إسقاط طائرة الروس على يد أبناء عثمان؛ لحظة كاشفة عن دورة جديدة للزمان، يتجدد فيها الصراع بين القيصر والسلطان، على أرض لا يملك أيهما فيها «قيراط أو فدان»، وما كان ذلك إلا لأن أهلها غافلون، بلا هدف يتقاتلون، نصفهم في الأستانة والنصف الآخر في طهران، وهناك شراذم سحرة فرعون الفاشلون، يسترهبون الناس ولعقولهم يشتتون، على شاشات الجزيرة بوجوه جليدية صباحَ مساءَ عليهم يطلون، يبيعون الوهم والهموم، كالشياطين ينفخون في المشاكل الصغيرة حتى تصير كالنجوم، خرَّبوا السودان لفساد نخبة الإنقاذ، وعشقها للدولار والريال، وقبله العراق وبعده ليبيا، ولن يهدأ لهم بال؛ حتى تنهار مصر وهو وهمٌ بعيد المنال. القيصر يجتهد بخطة حاذقة ليعيد أمجاد بطرس الأكبر، وبصلف وغرور في ديار العرب والفرس يتبختر، يحلم بنفوذ السوفييت وسطوة القياصرة، ويستعجل عودة موسكو لتكون للعالم حاضرة، يتحرك بذكاء شديد، يحسب خطواته فلا ينقص ولا يزيد، وضع بلاد الفرس في جعبته؛ بعد أن استغفل رعاة البقر وتركهم يحققون خطته، رفع الغرب الحظر عن إيران لتكون ثمار ثرواتها للأوربيين والأمريكان، ولكن بوتن الحاذق الذكي، كان لهم كاللهو الخفي، ظهر في سوريا فجأة لينقذ بشار؛ تحت شعار محاربة داعش والشطار، فسبق الغرب إلى قلب الفرس وثروة إيران، وأفشل خطة أوباما ولهف الصفقة من الأمريكان، وترك أوروبا تضرب أخماسًا في أسداس، فحركت صبي حلف الأطلاس، بائع السوبيا والعرقسوس، الفتى المهووس، الحالم بعباءة السلطان، الأرعن المغرور أردوغان. أما عن أردوغان فيقول ندمان على خيبة العربان: فتى طموح ولكنه مغرور، يظن أنه قادر على اختصار الزمن وطي الدهور، فيحلم بترميم ما انهدم من خلافة بني عثمان، وتحطم تحت سنابك خيول أتاتورك والفتية الطوران، الذين قضوا على الخلافة؛ بعد أن تداعت أركانها، وماتت روحها، وانتظرت الكفن واللفافة، يظن أردوغان أنه قادر على اختصار قرن في عشر سنين، فأعد القصر المنيف والحرس والطوافين، حالمًا بأن يعيد خلافة أجداده الغابرين، الذين نهبوا الشعوب، واستعبدوهم باسم الدين، فكان ميراثهم كراهية للإسلام عند من عرفه على أيديهم، وبغض الترك عند المسلمين. أردوغان تعجل في تنصيب نفسه سلطانًا؛ فسلك الحيلة قبل الربيع العربي الحزين، وعقد اتفاقات من بشار، وفتح تركيا بالبطاقة للسوريين، ولما جاء الربيع الخريفي الكئيب، انقلب على بشار وفتح حدوده لكل مجرم مريض غريب، لتتدفق على بلاد الشام بقايا المجانين؛ من بلاد الفرنجة والمسلمين، لتفريغ كل العقد النفسية المكبوتة والشهوات، فظهرت من كل أمراض التاريخ تنظيمات، وتحولت سوريا إلى ساحة حرب، بفضل غباء بشار وإجرام الشبيحة والحزب، وانتقلت ثورة السوريين البيضاء من حالة سلمية راقية، إلى معركة دموية ليس لها من باقية. وفي كلتا الحالتين كان أردوغان يخطط لإعادة الخلافة معتمدًا على الزيني بركات والأعوان، من سوريا إلى فلسطين ومصر وليبيا وتونس وكل الديار التي سرق ثوراتها الأتباع والخلان، ثم جاءت انتكاسات الربيع وتحول إلى صيف حارق، ثم خريف تتساقط فيه الأوراق، فتساقطت معها أحلام السلطان الحالم المغرور ودخل السجون الرفاق، وبعد أن قفزت مصر من الخارطة، وتغلب العقل والرشد في تونس على قيادة النهضة، فحافظت على ما تحقق من مكاسب، ولم تدخل حلبة التنافس والتكالب، ثم هزم الأتباع في ليبيا، فلم يبق في خارطة السلطان إلا غزةوسوريا، فتحول السلطان إلى مخلوق هائج، يريد الحسم ويستعجل النتائج. ودارت دورة الزمان، ولعب التاريخ لعبته والتقى الخصمان، قيصر شرس يريد إعادة سطوة السوفييت ومجد بطرس الأكبر، وسلطان واهم يحلم بمرج دابق وفتح الشام ومصر، ثم في الحجاز يكبِّر، وظن السلطان أنه قادر على أن يوظف دوره المخزي لتحقيق حلمه العصي، فدخل في مواجهة مع القيصر معتمدًا على أنه الصبي المفضل لدى أسياده في حلف الأطلسي، فأسقط طائرة الروس وهرول مستنجدًا بأوباما وحلف الناتو ومنظمة الأمم، ليحتمي من غضب القيصر الذي تفجر حمم، وبدلا من أن يقول للعالم إنه سلطان المسلمين؛ الذي به يحتمون، وعليه واجب عزة الدين، إذا به يظهر أنه صبي حلف الأطلسي الصغير، وذيل أوروبا الفقير، الذي لا يستطيع أن يقف في وجه بطرس الأكبر، على الرغم من أن أجداده كانوا على ذلك أقدر، فقد واجهوا الروس والسلاف واليونان، ولم يخنعوا أو يهربوا مثلما فعل الصبي أردوغان. لقد فتح أردوغان بضرب الطيارة بابًا من أبواب ضعف المسلمين، وأعطى القيصر الماكر الداهية ألف سكين، ليذبح كما يريد بقوة عُرف الأقوياء؛ إذا ما اعتدى عليهم الصعاليك الصغار، ليضرب في بلاد الشام والرافدين كما شاءت له الأقدار. معركة على أجسادنا صامتة حينًا وستعلن أحيانًا بين القيصر والسلطان، والظمأ لثار داحس والغبراء ما زال يشغل العربان، والبحث عن قتلة سيدنا عثمان لم تُغلق ملفاته، ودم سيدنا الحسين لم تنته ثاراته، والسجال بين الروافض والنواصب يشغل المنابر، والسلطة والكرسي هي غاية كل ثائر، نفس المأساة تتكرر كل جيلين أو ثلاثة، جينات غبية، أم غباوة وتياسة! وإذا أردت التنبيه إلى المصيبة التي نعيشها يخرج إليك غلام من الدوحة أو الأستانة، أو من أقاصي بلاد العرب أو من الديار الخربانة، يتهمك بكل ما جاء في قاموس بذاءات الصبيان، ليدافع عن حكمة وقيادة أردوغان، كأنه صحابي جليل، وقوله تنزيل من التنزيل، أليس هو الأعجمي الذي لا يجيد الكلام، الذي أراد أن يخلق كربلاء مصرية جديدة؛ فصنع إشارةً بأصابع اليد ما عدا الإبهام؟ أيها القارئ الكريم لا تصدق ما رواه ندمان على خيبة العربان، فأردوغان من بقايا الصحابة والتابعين، ومن الجيل الفريد من الربانيين، المؤيدين بالإلهام والقول المبين؛ حتى وإن دعم بنات الليل وحارب مدارس القرآن، لأنها تتبع أستاذه الذي غدر به فتح الله جولان، حتى وإن كانت يداه موغلة في دماء السوريين، ولداعش من الداعمين، حتى وإن كان من الذين يعتقلون من يرسم صورة ضده في جورنال، أو يكتب نقدًا مهذبًا في مقال… المهم أن أردوغان معشوق الجزيرة ومعبود الأعوان والخلان، وهذا يكفي لكي يلهج باسمه كل لسان.