تحكي صديقة صحفية أن سائحة وقفت أمامها داخل مطار شرم الشيخ تسرد لها اللحظات التي وصلت فيها إلى المطار، سألت العاملين هناك عما حدث للطائرة الروسية قبل أن تضيف أنهم نفوا في البداية قصة السقوط، ثم قالوا إن الطائرة حطت بأمان في تركيا! تختتم كلامها قائلة: "يظنون أنهم بذلك يمنحونني شعورًا بالأمان، بالعكس.. زاد هذا الكذب من رعبي". في يوليو الماضي وبعد ثمانية أيام من الهجوم الدامي في مرسى القنطاوي بسوسة. خرج المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء التونسي ليعلن إقالة العديد من المسئولين الأمنيين بينهم والي تونس بعد ثبوت التقصير ووجود ثغرات أمنية تسببت في إتاحة الفرصة للإرهابيين لقتل ما يقرب من خمسين سائحًا. نتحدث هنا عن تونس، لأن استدعاء نماذج أخرى يضايق البعض. لم تظهر المؤامرة في الصحف التونسية، ولم يخرج الإعلام في قوافل ليخاطب المواطنين أن سوسة جميلة، وتكون الخطة أن نرسل الأئمة والقضاة ومجلس جامعة بنها لنثبت للعالم أننا أقوى من الإرهاب. بل اعتبر هذا الإجراء متأخرًا. صمت ثم قص ولزق.. تخرج بيانات المسئولين الرسميين تطلب ألا نستبق التحقيقات، كل الأطراف المرتبطة بالواقعة، بلد الضحايا، وبلد المنشأ وكل أجهزة الاستخبارات تحاول أن تثبت براعتها أمام مواطنيها، إعلامها، لأنهم يعرفون جيدًا العقاب الذي سيلقونه إذا ما كشفت الأيام إخفاء أي معلومات لديهم، بينما رئيس لجنة التحقيق يخرج ليقرأ لنا بيانا باللغة الإنجليزية قبل أن يلفت الصحفيون نظره لقراءة نسخة باللغة العربية.. لم يكن البيان يصلح لشيء سوى لسماعه بعد دقائق من سقوط الطائرة. صحفيو الرئيس يشتكون من معاملة فظة و"جليطة" بريطانية أثناء زيارة لندن، بينما البيانات الرسمية تسهب في ذكر أهمية ونجاحات الزيارة، ومتانة العلاقات والأفكار المشتركة والرؤية المتطابقة في التعامل مع الإرهاب، ووزير المالية يتحدث عن أهمية الاستثمارات البريطانية ومستقبل الشركات في مصر، كان الإعلام يحاول أن يخلق عبد الناصر بالعافية، ويوهم الجمهور أن الدولة التي كان الرئيس يزورها مبتسما قبل ساعات تحارب تجربته ونجاحاته. لماذا يكرهوننا؟ وما هذه النجاحات؟ هذا ليس وقت الإجابات.. ماذا سنفعل في مواجهة المؤامرة؟ هذا ليس وقت الأسئلة أيضًا. ستخرج القنوات على الهواء ليلًا لتقول للعالم إن مصر قوية.. هل أنتم متأكدون أن العالم يشاهد قناة "صدى البلد"؟ هل تراهن الدولة على أن كارثة الطائرة ستمر كما نجح التجاهل في نسيان قصة الرهينة الكرواتي الذي ذبحه "داعش" واكتفت الدولة حينها بأن تعلن أن التحقيقات لم تؤكد مقتله، وأن ظهور هذه القصة في هذا التوقيت يستهدف إفساد فرحة مصر بافتتاح قناة السويس الجديدة، لم يخرج بعدها أحد ليخبرنا ماذا حدث، الأمر نفسه في واقعة مقتل السياح المكسيكيين. ثم نسأل بعد ذلك لماذا يعاملنا العالم بهذه الاستهانة؟ ولماذا تتوافد الأجهزة الأمنية على مطاراتنا لتفحصها وتتأكد من الرحلات القادمة إليها من أراضينا؟ ستصنف هذه الأسئلة شماتة في دولتنا التي تواجه حملة ومؤامرة. أي مؤامرة ستقف مستسلمة مكتفية بكل هذا الفشل واللا مبالاة. الوطنية الآن أن تقول إن كله تمام وتهاجم كل من يشير إلى مواطن خلل، أو تهاجم سائحا وصل إلى بلدك ليقضي يومين فلم يجد سوى معاملة سيئة وإهمال فعاد مستاء يكتب تجربته. لو كنت اعتدت الفشل وسوء الحال فأصبحت جزءًا منه فلا حاجة لآخر أن يحبه ويتقبله ويدافع عنه ويدفع من جيبه ليراه، هذا المكان بالنسبة له ليس أكثر من مكان يزوره بحثًا عن راحة وهدوء وذكريات طيبة. لا يرى أحد في هذه الدولة أي تقصير إلا في عدم استخدام عنف أقوى مع كل من يشير إلى فشل أو تقصير، مع كل مصيبة أو كارثة يستخدم هؤلاء الشماتة الإخوانية أو التصريحات والتعليقات المتداولة للحديث مرة أخرى عن الاصطفاف في مواجهة هذا. أو بحث أكبر عن أي واقعة فشل أمني أو إجراء قمعي في أي دولة أخرى لكي يثبت لنفسه أن الفشل ليس حصريا لدينا، لا مانع أن نساوي بين تفجير انتحاري واختراق أمن مطار ووضع قنبلة على طائرة وتفجيرها. سيجعلهم هذا يشعرون أننا لسنا في القاع وحدنا، وأن غض البصر عن كل الانتهاكات والفشل والإجراءات الاستثنائية وسنوات الحبس الاحتياطي لم تذهب هباء، وأن رهان التضحية بكل شيء في مقابل النجاح في الحرب على الإرهاب خسر أيضًا.