وفَّر الرئيس الفلسطينى محمود عباس دليلاً قوياً، علّه الأقوى، ضد الدكتور محمد مرسى، بما يدعم مساءلته قضائياً بتهمة الخيانة العظمى! وذلك عندما أعلن الرئيس عباس يوم الأحد الماضى، لعدد من الصحفيين المصريين، أن الإسرائيليين عرضوا عليه توسيع غزة بضم 1000 كم مربع تُقتَطَع من سيناء، وذلك أثناء حكم الإخوان فى مصر. وقال إن هذا كان فى إطار التشاور بين الإسرائيليين وحكومة حماس فى غزة! وقال إنه رفض العرض وإنه قال بصريح العبارة: "إننا لن نأخذ سنتيمتر واحد من الأراضى المصرية". وأضاف الرئيس الفلسطينى بأن الدكتور مرسى, عندما كان على كرسى الرئاسة، عاتبه على الرفض، وقال له: "وانت مالك؟ انت ها تاخد أرض وتوسع غزة!". هذه الواقعة تؤكد عدة أشياء خطيرة، أولها، أن المخطط الأمريكى الإسرائيلى كان قد تجاوز حدود الأفكار إلى أن يكون له تجليات عملية فى اقتراحات ومناقشات بين الأطراف المعنية، إسرائيل والفلسطينيين وحكومة الإخوان فى مصر، وكان الهدف الأساسى تسوية الأوضاع لصالح إسرائيل، بإعطاء الفلسطينيين قطعة من سيناء تتوسع فيها غزة، على أن يكفّوا بعدها عن مطالبة إسرائيل بأى شيئ إضافى! وما لم يذكره الرئيس الفلسطينى فى تصريحاته الأخيرة، وكانت الأخبار المتداولة تردده عن تسريبات من الجانب الأمريكى عبر السنوات الماضية، فإن المقابل الذى تحصل عليه مصر قطعة أرض بديلة من صحراء النقب لا نفع لها لدى إسرائيل. وأما المكسب السياسى الكبير الذى كان الإخون يسعون سعياً للتوصل إليه فهو تدعيم علاقة جماعتهم بأمريكا، ونيل ثقتهم، من أجل أوهام أن يستمروا فى الحكم، كما قال مرسى فى زلة لسان، لمدة 500 عام! النقطة المهمة الأخرى، هى أنه من المفتَرَض أن كلام الرئيس الفلسطينى مدعوم بوثائق رسمية، مما يعزز الاتهام ضد مرسى، إما من عرض إسرائيلى مكتوب، أو من محضر الاجتماع الذى تقدم فيه الإسرائيليون بهذا العرض. وفى كل الأحوال، فمن الممكن أن يدلى الرئيس الفلسطينى بشهادة رسمية أمام جهات التحقيق المصرية، ثم أمام المحكمة، أو أن يتقدم بشهادة مكتوبة، وذلك للتعاون مع العدالة حتى يتبين الحق وينال المجرمون جزاءهم القانونى. هذا اتهام خطير ضد من تولى الرئاسة بعد أن أقسم على حماية تراب الوطن، ولكن الاتهام يتجاوز الطعن فى أمانته فى الالتزام بمسؤولياته، أو التقصير فيها أو الإهمال، إلى التدليل على سعيه طواعية، وفق مخطط سوف تتبين تفاصيله أثناء التحقيق والمحاكمة، للتفريط فى أرض الوطن، مقابل منفعة تخص الجماعة التى ينتمى لها والتى يعلو ولاؤه لها على التزامه بمسئوليات منصبه الرفيع تجاه الشعب وأرض الوطن. هذا الكشف يفسر الموقف الأمريكى المعادى لاختيار الشعب المصرى وإصراره فى 30 يونيو على الإطاحة بحكم الإخوان! وقد بينت الأحداث بما لا يدع مجالاً للشك، أن الموقف الأمريكى فى تأييد الإخوان ثابت حتى الآن، وإنما هى المراوغة السياسية التى تعطى انطباعاً فى بعض الأحيان بأن هناك تغييراً ما. يكفى الإصرار المستمر من الأمريكيين وتوابعهم على ما يقولون إنه مصالحة مع الإخوان، لا لشيئ إلا لإتاحة ثغرة تنفذ منها الجماعة إلى الحياة السياسية لتكون هنالك فرصة للعودة للحكم لتنفيذ مخططات أمريكا. وقد أدرك الإخوان خطورة ما كشفه الرئيس الفلسطينى مؤخراً، فما كان منهم إلا سلاح التشهير بأسوأ البذاءات، فقالوا إنه كذب من الرئيس الفلسطينى وانحطاط أخلاقى وسياسى..إلخ، وتحدوه أن يأتى بدليل..إلخ هذه تهمة لا تقبل الاختلاف فى التقدير، لأنها تعنى، إذا صحت كواقعة، وإذا حكم القضاء بصحتها، أن تنظيم الإخوان، الذى يرى الشعب المصرى منه الآن كل هذا الإرهاب، هو أيضاً تنظيم لا يهمه هذا التراب الذى ذهب الملايين فداءه عبر آلاف السنين، كما أن الإدانة القضائية فى مثل هذه التهمة تقضى قضاء مبرما على أى كلام عن أى مصالحة، بل إنها تضع من يتوسط فى المصالحة فى موضع اتهام جاد، كما أنها صفحة سوداء فى سجل الجماعة وحلفائهم تظل حائلاً فى المستقبل أمام أن يحظوا بتأييد إلا من كوادرهم وتوابعهم، ومن الفقراء الذين يقهرهم العوز ويجبرهم على بيع أصواتهم. ما هو المطلوب من الجهات الرسمية لكى تتحرك بالتحرى والتحقيق فى اتهامات بهذه الخطورة؟ خاصة أن القائل رئيس دولة، وأنه يتهم من تولى حكم مصر، وأن موضوع الاتهام التفريط فى أرض الوطن؟ أما إذا استمر الصمت الرسمى، وتعرض الموضوع لركام الأحداث المتوالية، وانزوى فى زاوية بعيدة عن بؤرة الاهتمام العام، فسوف تتبدد فرصة النيل بالقانون والقضاء من جماعة أقترفت أكبر الجرائم فى حق هذا البلد وهذا الشعب، ولا يزال رموزها يلغون عن شرعية وهمية! كما لن يرحم التاريخ تبديد هذه الفرصة الاستثنائية، وسوف يضيفها إلى الخطأ التاريخى الآخر الذى عمل فيه بعض اليساريين والليبراليين على توصيل الإخوان إلى الحكم، بأوهام أنهم "شركاؤنا فى الثورة"! ولولا الخروج الشعبى الرائع بعشرات الملايين لكان الإخوان نجحوا فى ترسيخ خطأ النخب السياسية ولكانوا استمروا حتى الآن فى الحكم! بل ربما كانوا قطعوا خطوات فى مؤامرة التنازل عن جزء من سيناء!