حرب تكسير عظام، ورسائل شديدة اللهجة، بدأت السلطة في مصر توجيهها إلى رجال الأعمال، لإجبارهم على مساندة النظام في ضائقته المالية، فجاءت صور القبض على صلاح دياب ونجله أحد أبرز رجال الأعمال في مصر، على خلفية اتهامه بالتربح وإهدار للمال العام مغلول اليد ومقيدًا بالكلابشات لتحمل في طياتها تهديدًا ووعيدًا لرجال الأعمال بالامتثال إلى الأوامر الشفهية بإبرام تسويات مالية مع الحكومة، في صورة تبرعات أو ما شابه تضمن عدم ملاحقتهم أمنيًّا باستدعاء بلاغات واتهامات قديمة بالاعتداء على أراضي الدولة. وهو ما جعل النائب العام المصري المستشار نبيل صادق يبدأ التحقيق في بلاغات قدمت إلى النيابة العامة عقب ثورة 25 يناير 2011، ويتخذ أول قراراته بشأنها بتاريخ 6 نوفمبر الجاري بالتحفظ على أموال 18 من رجال الأعمال، من بينهم دياب ونجله إلى جانب محمود الجمال، صهر نجل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ومحافظ سابق وعدد من المسؤولين. استرجاع السلطة الحالية للبلاغات التي حفظت في الأدراج منذ عدة أعوام أصبح ذا جدوى، خاصة بعد أن أصدر الرئيس السيسي قرارًا بقانون بتعديل قانون الكسب غير المشروع في 23 أغسطس الماضي، بما يكفل التصالح في جرائم التعدي على المال العام مقابل تسوية مالية تبرمها الحكومة ممثلة في وزارة العدل مع المختلس أو المهدر أو المتعدي على المال العام. وسبق القانون تعديل تشريعي آخر من الرئيس لقانون الإجراءات الجنائية يتضمن إضافة مادة جديدة للقانون تجيزالتصالح في الجرائم المالية إذا كان محلها عقدًا مع إحدى الجهات أو الهيئات المالكة للمال العام، سواء كان المستثمر قد تعاقد مع الجهة الحكومية بصفته أو بشخصه، وذلك في أي مرحلة من مراحل التقاضي. ويقوم النائب العام بعد إقرار تلك القوانين بالبحث في دفاتره القديمة وفتح الأدراج ليخرج منها باقي بلاغات عام 2011، وبغض النظر عن فحوى تلك البلاغات، يصدر النائب العام قراراته سواء بالتحفظ على الأموال أو المنع من السفر، أو بضبط وإحضار المتهمين، كما حدث مع صلاح دياب الذي داهمت قوات الأمن فيلته وقبضت عليه، بل وتم تسريب صور القبض عليه ووضع الكلابشات في يده، رغم أنه ليس المتهم الوحيد في القضية بالتزامن مع إعلان نيابة الأموال العامة لتفاصيل القضية التي قبض على رجل الأعمال على أثرها، والتي تتعلق بشبهات فساد في تخصيص أراض عام 1996 إلى رجل الأعمال واستغلالها في غير الغرض الذي خصصت من أجله. وحسبما قاله رئيس نيابة الأموال العامة المستشار أحمد البحراوي أمس، فإن التحقيقات كشفت عن قيام رجل الأعمال صلاح دياب ومحمود الجمال و15 آخرين من شركائه بتأسيس منتجع ومدينة سكنية بطريق إسكندرية الصحراوي على مساحة 1500 فدان، حصل دياب على 976 فدانًا منها عن طريق مزاد علني عام 2007، وحصل على 524 فدانًا أخرى بهدف مشروع آخر عام 1996، وكانت الجهات المسؤولة قد حددت فترة زمنية يتم خلالها تنفيذ المشروع المقرر له حصوله على الأرض، وأن مخالفته للفترة المحددة لإنشاء المشروع والانتهاء منه، وضمها لمشروع آخر مخالف للقانون، وهو ما اعتبره رئيس نيابة الأموال العامة تربحًا بطريقة غير مشروعة، وإهدارا لأموال الدولة. ووفقًا للتحقيقات المخالفة وإهدار المال العام ليست في الحصول على الأرض بسعر بخس وإنما المخالفة تتعلق بعدم الالتزام ببنود في العقد المبرم بين وزارة الإسكان ورجل الأعمال وشركائه، وهو الأمر الذي لا يتجاوز في حد ذاته المخالفة المالية التي لا تستوجب مداهمة قوات الأمن وقبضها على رجل الأعمال ونشر صوره حسب المحامي عصام الإسلامبولي مبررًا بأن الأمر ما زال في طور الاتهام، والشائع في مثل تلك القضايا أن يكتفى بالقرارات الاحترازية أو الوقائية الخاصة بالمنع من السفر والتحفظ على الأموال. أما الهدف من استدعاء البلاغات القديمة فحدده المستشار أحمد البحراوي بمطالبته للنائب العام بتشكيل لجنة من وزارة العدل لتحديد قيمة الأرض وقيمة التربح الذي استفاد المتهمون منه بتسقيع الأراضي التي خصصت لهم عام 1996 حتى عام 2007، لتبدأ بعدها جولة للمتهمين أمام محكمة الجنايات التي عادة ما تؤيد قرارات النائب العام بالتحفظ على الأموال، وتبدأ دوامة نظر القضايا وتأجيلها والحكم فيها، ثم الطعن على المحكمة، ثم إعادة المحاكمة وهكذا، وبالتالي الحل السهل هو اللجوء إلى التسوية المالية. حيث إن التعديل الذي أقره السيسي على قانون الإجراءات الجنائية في مارس الماضي يشترط لنفاذ التصالح وسقوط التهم قبل أن تتحول إلى جرائم بأحكام الجنايات أو النقض، أن يرد المتهم المال محل التعاقد والجريمة، أو ما يعادل قيمته السوقية، وقت إجراء التسوية، وذلك بمعرفة لجنة من الخبراء يشكلها رئيس مجلس الوزراء، وهو ما يلزم دياب ومن معه ومن لم يصبهم الدور بإبرام تسوية مقبولة مع الحكومة، بما يوفر لها سيولة نقدية تعينها على أزماتها ولو بشكل مؤقت.