منازل لم تعد موجودة وأخرى مهددة بالانهيار.. هذا هو حال الإسكندرية التي أغرقتها مياه الأمطار الغزيرة، فالطوفان قضى على الأخضر واليابس وخلف ورائه مئات القصص الحزينة والمآسي، فالحياة بعد 25 أكتوبر الماضي، حيث النوة، تختلف عما قبلها. «التحرير» رصدت عدد من مآسي الأهالي بالمناطق المنكوبة بالإسكندرية من خلال جولات قامت بها، كانت أولى تلك الجولات بقرية الجزائر، والتي قضت فيها السيول أو ما يحب الأهالي هناك أن يطلقوا عليه "الطوفان"، على الأخضر واليابس. كارثة تدمر حياة الآلاف في الطريق الطويل الممتد قبل وصولك لقرية الجزائر، والتي تقع بالكيلو 42 بطريق القاهرةالإسكندرية الصحراوي، لن تجد أمامك سوى برك ومستنقعات من المياه المترامية، وبمجرد وصولك للقرية، فستتأكد أن ما مر بتلك القرية، ليست مجرد نوة أو أمطار إنما هي كارثة حقيقية دمرت حياة الآلاف من قاطنيها.
في البداية وعند البوابة استقبلنا عدد من الأشخاص، والذين يستقلون إما جرار زراعي أو سيارة نقل، وسيلتي النقل الوحيدتين بالقرية بعد غرقها، حيث لا سبيل للسير على الأقدام بسبب عمق المياه، وطالبنا الأهالي بالرحيل قبل أن يعرفوا أننا جئنا لرصد ونقل مآساتهم. وتطوع شخص لمرافقتنا داخل القرية من خلال الجرار الذي يستقله، فمبجرد دخولنا القرية كانت المشاهد الصادمة، منازل متهدمة وأخرى شارفت على الانهيار وأهالي جالسون فوق الركام ينظرون بحسرة إلى شقا السنوات وقد أصبح ركام. نساء يتحسرن وأطفال يلهون بين أطلال أحد المنازل المتهدمة تجلس نعمات السيد، 40 عامًا، وتبدو الحسرة على ملامح وجهها، بينما حولها أبنائها الأربعة يلهون في المياه بسعادة طفولية، وعندما اقتربنا منها لسؤالها عن سبب جلوسها هكذا. تقول نعمات: "كل شيء راح في الطوفان، الزرع والمواشي والبيت، وكل اللي جمعناه من سنين الشقا والغلب الميه خدته معاها"، مضيفة: "محدش عملنا حاجة المسئولين في الحي والمحافظة جم اتفرجوا على الوضع ووعدونا بالحل ومشوا ومرجعوش تاني". وأشارت إلى أنها تجلس في انتظار زوجها الذي ذهب لإحضار سيارة لتقلهم إلى خارج القرية، حيث لا يستطيعون البقاء بعد أن تحولت القرية إلى بحيرة من المياه. اختفاء منازل ولم يكن الوضع بأحسن حال في منطقة نجع العرب التي تبعد 40 كم مربع عن قرية الجزائر، فالمنطقة التي تعاني بالأساس من أزمة صرف صحي، اختفت منازلها بعد موجة هطول الأمطار بعد ارتفاع منسوب مياه بحيرة مريوط التي تطل عليها وغمر القرية بالكامل. انتقلنا للمنطقة لرصد معاناة أهلها، بمجرد دخولك تكتشف أن الوسيلة الوحيد للتنقل بها هي "الفلوكة"، وبالفعل استقلينا إحداها بمرافقة أحد الأهالي والذي بدأ في الإشارة بيده إلى المنازل المتهالكة بالمنطقة قائلاً: "ده يرضي مين حالنا واقف وخسرنا كل حاجة في النوة الأخيرة". وبينما نسير بين المنازل التي غمرتها المياه، يلفت انتباهنا رجل سبعيني يقوم وآخرين بوضع ساتر من الطوب والزلط على أبواب منزله بينما يضع سلم للطابق الثاني، وعندما سألناه عن سبب ذلك قال "حتى لا تدخل المياه مرة ثانية"، وأضاف "الناس اتخرب بيتها وخسروا مئات الآلاف بسبب المياه عمالين يخرجوا المياه بموتور شفط.. مين هيعوضهم". وعلى الرغم من انتهاء هطول الأمطار الغزيرة إلا أن هناك 36 عقارًا، بحسب الإحصائيات الرسمية، تهدمت أو تصدعت، جراء تأثرها الشديد بتراكم المياه، بينما لم يجد قاطنو العقارات المأوى البديل لينتقلوا إليه بسبب ضيق حال الأهالي بتلك المناطق. عقارت مهدمة ولا بديل في منطقة اللبان، والتي شهدت انهيار ما يقرب ال10 عقارات وحدها منذ بداية الأزمة، يحتل العشرات من أهالي تلك العقارات طرق وشوارع المنطقة يقيمون فيها لعدم وجود أي مسكن بديل لهم. وبجانب أحد العقارات، كان يجلس سيد خميس، صاحب محل خياطة بالعقار وقاطن بالطابق الأرضي بنفس العقار، وزوجته وأبنائه. يقول الرجل: "بقينا في الشارع ومعندناش فلوس نجيب مساكن بديلة نعيش فيها إحنا وولادنا، والمحافظة أيدها في الميه الباردة ومش حتسأل فينا، إحنا بناشد الرئيس النظر لنا بعين الرأفة إحنا غلابة وعايزين بس نعيش".