اعتبر المحلل السياسي ماهر جبرا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان يضغط بذكاء، من أجل الإصلاح الديني في مصر التي وصفها بأنها "علمانية بطبيعتها"، وناشد مختلف أطياف المجتمع المشاركة في المعركة ضد السلفيين على "تحديد هوية البلاد"، والمضي بها قدما نحو الحداثة. وفي مقال نشرته له صحيفة "هافنجتون بوست" بعنوان "مصر علمانية بطبيعتها"، قال جبرا، وهو كاتب مستقل عن سياسة الشرق الأوسط يقيم في واشنطن: إن "الرئيس عبد الفتاح السيسي كان يضغط بذكاء وباستمرار من أجل الإصلاح الديني في مصر". وأوضح أنه بدأ أولًا بزيارة المسيحيين في عيد الميلاد في الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة، للتأكيد على مفهوم المواطنة والمساواة في الحقوق للأقليات الدينية، مؤكدًا للمصلين أنهم مصريين، وأنه مرتبط بهم كمصريين، فجاء رد فعل المسيحيين فرحًا لأنهم طالبوا بخطاب مماثل طيلة عقود". وأضاف "ثانيًا، ذهب الرئيس إلى الأزهر، المؤسسة الدينية الرئيسية في مصر، ودعا إلى الإصلاح، وطلب من شيوخ وأئمة الأزهر الوقوف ضد الفكر المتطرف"، مشيرًا إلى أن الرئيس كرر هذا الدعوة عدة مرات، مطالبًا بأن يؤكد الزعماء الدينيون كيف يدعو الإسلام إلى التسامح والتعايش بدلًا من الكراهية والعنف". وتابع "كعنصر آخر من جهوده لتحدي الجماعات المتطرفة وآرائها، عين كاتبًا علمانيًا بارزًا، هو حلمي النمنم، ليكون وزيرًا للثقافة في الحكومة الجديدة". ووفقًا للكاتب فإن تعيين النمنم يعكس الجدية التي تلعب بها مصر دورها في دحر الإرهاب، ليس فقط على المستوى العسكري، ولكن الأهم من ذلك على المستوى الأيدولوجي كذلك"، غير أن "تعيينه أثار جدلًا ساخنًا حول هوية مصر، فهو معروف بمواقفه العلمانية ومعاداة التشدد الإسلامي، وليس معاداة الإسلام، وكتب العديد من الكتب تدافع عن العلمانية وتنتقد التشدد الإسلامي". وأشار إلى أنه خلال الأسبوع الأول بعد أن أدى اليمين الدستورية في منصبه، ظهر النمنم في عدة برامج تليفزيونية، وقال: إن "مصر علمانية بطبيعتها"، وإن المصريين متدينون وفي نفس الوقت يتبنون التعددية، وأن الهوية المصرية غير متوافقة مع التشدد الإسلامي، مشددًا في هذه المقابلات على أنه حيثما يتواجد الإسلام السياسي، يعقبه التدمير عادة، وذكر العديد من الأمثلة، على غرار أفغانستان وباكستان ونيجيريا والجزائر. ولفت "المحلل السياسي" إلى أن كاتبًا مصريًا بارزًا آخر، هو فرج فودة، قال شيئا من هذا القبيل، عندما سأل: "أين هو المثال على دولة إسلامية ناجحة؟ أرونا مثالًا على ذلك"، وللأسف، قتل فودة لأنه تحدى وجهات نظر الإسلاميين الذين أردوه قتيلًا عام 1992. ومضى قائلًا: "بعد ظهور النمنم في التلفزيون رد رئيس حزب (النور) الإسلامية، يونس مخيون، بغضب على الوزير، قائلًا: إن "ما قاله النمنم يتناقض مع الدستور المصري، الذي ينص في مادته الثانية على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، مضيفُا "لذلك فإن القول إن مصر دولة علمانية بطبيعتها ضد الدستور". وردًا على ذلك أفاد "النمنم" أن واجبه كوزير هو احترام النظام الجمهوري، الذي هو بحكم تعريفه في صراع مع أي دعوات للتشدد الإسلامي أو الخلافة التي يدعو لها الإسلاميون. وارتأى أن "حزب النور أيضًا يعزز بشكل روتيني الطائفية.. ففي الأعياد الدينية المسيحية، أصدر قادة الحزب فتاوى، أو أحكام دينية، تنتقد المسيحيين لشعائرهم الدينية، ووصفتها بأنها حرام وضد الشريعة الإسلامية، علاوة على ذلك، رفضوا الوقوف دقيقة حداد لتكريم بابا الأقباط شنودة الثالث، عندما توفي في عام 2012. وبين الكاتب أن كلمة "سلفي" تأتي من "السلف"أو الأجداد، وتشير إلى الاعتقاد السلفي بأن الحل لمشاكل الأمة يكمن في اتباع سبل الأسلاف، صحابة النبي "محمد"، وليس الطرق أو الأفكار الحديثة. ففي عام 2012، دعا "مخيون" لإلغاء القانون الذي لا يسمح بزواج الفتاة إلا بعد بلوغها 18 عامًا، بحجة أن الفتيات ينبغي أن يكون لهن الحق في الزواج في أي سن، حتى سبع سنوات، طالما أنها يمكن أن "تتحمل المعاشرة"، وفقًا لتفسيره للقرآن. وبحسب الكاتب، فإن حزب "النور" يدعو إلى سياسات مثل هذه، و"النمنم" علماني يؤمن بشدة بالدولة القومية والوطنية في مصر، ويعارض بشدة قضية الإسلام المتشدد، ويؤمن بحقوق متساوية للمرأة والأقليات الدينية، ولذا فإنه ليس من المستغرب أن يهاجمه حزب "النور" بضراوة. وفي بيان صدر له مؤخرًا، طالب حزب "النور" النمنم إما بالاعتذار أو الاستقالة بسبب تعليقاته. وطالب الرئيس بإقالة النمنم إذا رفض هذه الخيارات، زاعمًا أنه أساء إلى أغلبية المصريين. فيما أكد الشيخ السلفي البارز ياسر برهامي، نائب رئيس الجبهة السلفية، أن النمنم انتهك الشريعة و"بحاجة إلى التوبة"، وذلك في بيان مشابه للغاية للفتوى التي أجازت قتل فرج فودة. واختتم بالقول: إن "الليبراليين والعلمانيين والمثقفين في مصر بحاجة إلى إظهار مزيد من الدعم للنمنم في هذا النضال لتحديد هوية البلاد، ومصر لديها خياران أساسيان: إما المضي قدمًا نحو الحداثة أو التراجع مع السلفيين".