خالد زيادة: نعيش مخاضات عنيفة ستفضى إلى آفاق جديدة.. وشعار إسقاط النظام لم يكن كافيًا أخفقت «الأصولية» وسقطت معها التيارات الأيديولوجية والاشتراكية والقومية فى العالم العربى صدر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية كتاب «لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب» للمؤرخ الدكتور خالد زيادة، سفير لبنان بالقاهرة والمندوب الدائم لها فى جامعة الدول العربية، يتناول فيه الكاتب تاريخ العلاقة الإشكالية بين العرب وأوروبا، ويستعيد الجوار الفريد فى التاريخ والجغرافيا الذى وضع العالم العربى، وبالتالى الإسلامى، على تماس مباشر بأوروبا، مركزًا على الإشكالية التى نمت وتجذرت بين العرب من جهة وأوروبا والغرب من جهة، حتى بات أغلب الإنتاج الثقافى العربى هو تعبير عن هذه الإشكالية التى تحكم أوروبا والغرب. ويأتى كتاب «لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب» ضمن مشروع بحثى ضخم، يتناول العلاقة مع الغرب، تلك العلاقة المغرقة فى القدم، التى هى حصيلة الجوار الجغرافى، وقد أصبحت مصدرًا للقلق الذى طبع الأفكار منذ أن صارت أوروبا مركز الحداثة فى العالم. استهل زيادة مشروعه الكبير ب«تطور النظرة الإسلامية إلى أوروبا» و«المسلمون والحداثة الأوروبية»، وصولا إلى «لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب»، وعنى فيه مؤلفه بالتركيز على إعادة قراءة العلاقات الإسلامية الأوروبية أو بمعنى أدق اكتشاف الحداثة الأوروبية، وتبنى أجزاء منها هنا وأجزاء أخرى هناك. يقول زيادة: «حين شرعت فى كتابة (لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب) قبل سنوات، كانت الفكرة الرئيسية هى إعادة قراءة التيارات الفكرية الكبرى منذ أواسط القرن التاسع عشر، وأثر أوروبا فى تبلورها، وكيف تلاشى هذا التأثير خلال العقود القليلة الأخيرة، الأمر الذى أدى أمور إلى بروز التيارات الأصولية». ويوضح زيادة أن الثورات العربية التى قامت العام 2011، والتى لم يكن أحد ليتوقعها على النحو الذى جرت فيه، جاءت لتؤكد أنه لا أفكار كبرى تقود هذه الثورات، على غرار الثورات التى عرفها العرب منذ مطلع القرن العشرين، والتى حركتها أفكار الحرية والوطنية والاستقلال، كالثورة العربية العام 1916، والثورة المصرية العام 1919، والثورة الجزائرية فى خمسينات القرن الماضى.
وقال «غياب الأفكار الكبرى يفسر جانبًا مهمًا من جوانب التعثر الذى شهدته الثورات العربية، فلم يكن شعار (الشعب يريد إسقاط النظام) كافيا. سقطت أنظمة من دون القدرة على صياغة إجماع حول النظام البديل». ويتابع زيادة «وقد أشرت إلى أن الثورة ليست حدثًا مفردًا، بل هى سلسلة من التغيرات فى مدى زمنى يمتد لسنوات وربما لعقود. ومَن ينظر إلى الواقع العربى اليوم، يتيقن من أن ما بدأ فى 2011، لن نرى له استقرارًا فى مدى قريب، وأننا إزاء مخاضات عنيفة ستفضى إلى آفاق جديدة. لقد جاءت الأحداث والتطورات والثورات منذ عام 2011، والتى أطلق عليها اسم الربيع العربى لتبين أن إخفاق هذه الثورات أو تعثرها إنما يعود فى جانب منه إلى الاقتصار على الأفكار الكبرى التى يمكنها أن تشكل النظام الرئيسى لبرامج التغيير السياسى، وقد شغل الإسلام السياسى هذا الفراغ الفكرى. الأمر الذى يؤكد ضرورة أن ينتج العرب أفكارًا متناسبة مع العصر الذى نعيش فيه والمستقبل الذى نتطلع إليه». بالعودة إلى تراث فترة «النهضة»، منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى سبعينياته، ومن خلال التنقيب والحفر فى نصوصه الأساسية يتوصل زيادة إلى أبرز رواد هذه النهضة أمثال رفاعة الطهطاوى وخير الدين التونسى وبطرس البستانى قد عبروا عن أفكار متشابهة، مفادها أننا بحاجة إلى الأخذ بما أحرزته أوروبا من تقدم فى العلوم والتقنيات والأفكار. وكانت فكرة «الحرية» قد أصبحت من ثوابت التفكير عند هؤلاء الرواد، وكان لديهم جميعا اعتقاد بأن الأخذ عن أوروبا لا يتناقض مع الإيمان والإسلام. ويورد زيادة فى كتابه تفصيلًا للمرحلة التى نمت فيها الأصولية الإسلامية عقب إلغاء الخلافة عام 1924، مما أدى إلى تفاوت ردود الفعل فى العالم العربى لشعور فئة من العرب بالهزيمة جراء سيطرة مباشرة للقوى الاستعمارية الأوروبية عقب اتفاقية «سايكس- بيكو»، الأمر الذى أفضى إلى نمو ليبرالى وعلمانى فى جوّ قابله تشدد دينى أصولى هو أيضًا من نتائج هذه الحالة. فى ظل هذا المناخ نشأت جماعة «الإخوان المسلمين» عام 1928، ويكشف زيادة مراحل نمو الحركات الإسلامية وصراعاتها وصولا إلى تسلم هؤلاء الحكم بمصر بعد سقوط حسنى مبارك نتيجة الثورات العربية التى بشر العالم الغربى بها. ويؤكد زيادة أن تجربة الإخوان المسلمين فى مصر لم تستطع الصمود أكثر من عام وسجلت سقوطًا مدويًا، لأنهم لا يملكون رؤية لمشاكل مصر المتفاقمة، مما أدى إلى إخفاقهم المريع.