أستاذ بجامعة مونستر: الإسلام دين رحيم متسامح.. قائم على أساس روحى بين الفرد والإله خورشيد: الحكمة الإلهية فى رسالة محمد تتمثل فى خلق عالم إنسانى يليق بحياة الناس «لن تعيشوا فى أمان أبدًا أيها الألمان».. «سننقل الجهاد إلى بلادكم».. «ألمانيا ستكون قبركم».. عبارات متوعدة مسمومة، باتت تتردد مؤخرًا فى الشارع الألمانى على نطاق واسع، عبر رسائل صوتية أو مصوَّرة تنقلها صفحات «فيسبوك» و«يوتيوب»، بينما يقف خلفها من باتوا يُعرفون اليوم بسلفيِّى أو جهاديِّى ألمانيا، ممن هجروا بلادهم بكثافة خلال الشهور القليلة الماضية، صوب الشرق، وتحديدًا مصر وليبيا وسوريا، بحثًا عن جوهر الإسلام الحق، من وجهة نظرهم، فلا عرفوا على ما يبدو من الدين الحنيف شيئًا من تسامحه ورحابته، بل على العكس، أصبحوا يسهمون، جهلًا فى الأغلب الأعم، فى ترسيخ صورة نمطية متطرفة للرسالة المحمدية لدى الغرب، باعتبارها مرادفًا للقنابل والقتل والدماء وبن لادن والقاعدة. لكن مهند خورشيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية، أبَى الجلوس فى مقاعد المتفرجين، بينما تتسع الهوة بين الغرب والمسلمين، وكذا العرب، يومًا تلو الآخر، بسبب دعاوى تنطوى على أفكار إرهابية بطبيعة الحال، منحازًا إلى منطق العقل فى توضيح صورة الإسلام المنفتح، المتجاوب مع آليات العصر والحداثة، وقبل هذا وذاك والأهم، الإسلام «الرحيم» بكل البشر دون تفرقة، حتى بأولئك الذين كفروا بتعاليمه. كتاب خورشيد الجديد «الإسلام.. رحمة: الخطوط العريضة لدين حديث»، والذى بات رغم جدية موضوعه، وإدراجه تحت لافتة علوم الأديان واللاهوت، ينافس بقوة فى لائحة الكتب الأكثر مبيعًا فى ألمانيا، جنبًا إلى جنب، مع عدد من الأعمال الأدبية والسياسية الصادرة حديثًا، يركز بالأساس على التعامل مع الإسلام والقرآن كرهينة لممارسات سطحية يجب التحرر منها، لينكشف الجانب الروحى والإنسانى فيهما. بكلام آخر، ينحاز خورشيد بوضوح إلى أن جوهر الإسلام، قائم على علاقة تناغمية حوارية بين الفرد والإله، وأن القرآن بصفة خاصة كتاب روحى يتيح للبشر معرفة الله. أما ما يتعلق بالقوانين والتشريعات والفروض والتكليفات التى اشتملها الدين، فإنما تمثل الفرع لا الأصل. وبالتالى فالله ليس ديكتاتورًا يتحكم فى مصائر البشر بمنطق السُّخرة، كما أن الإيمان لا يُقاس بمنطق المتطرفين الخاص بطول لحية أو بانعزال عن المجتمع بدعوى التعبد، وإنما الحكمة الإلهية فى رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) تتمثل فى خلق عالم إنسانى يليق بحياة الناس، عبر علاقة روحية خاصة بينهم وبين خالقهم. خورشيد، وهو لبنانى المولد فلسطينى الأصل، طالما جهر وعمل بجد وسط الجاليات المسلمة فى ألمانيا والنمسا، من أجل ترسيخ مبدأ النقد الذاتى، وذلك فى ظل قناعة تامة لديه بأن المسلمين فى الغرب، سواء المنتمين إلى الشرق الأوسط من المهاجرين، أو أولئك الذين تحولوا للإسلام، ومن بينهم سلفيو وجهاديو ألمانيا الجدد، لا يعكسون أى زاوية إيجابية عن التسامح فى الدين، خصوصًا أنهم يختصرونه فى نحو 1.5% فقط من الآيات القرآنية، التى تتعلق بالتشريعات والقوانين المنظمة للحياة الاجتماعية والثواب والعقاب، وللعجب بأن المتطرفين من الإسلاميين، وكذا كارهوهم، يستندون فى مباراتهم المحتدمة إلى المزايدة على الإسلام، بنفس تلك الآيات لا غيرها، بينما تغيب أى إشارة عن الإسلام الليبرالى المتطور الحداثى. وتأثُّرًا بالمفكر المصرى الراحل الدكتور نصر حامد أبو زيد، وبأقوال الفقهاء الأتراك ب«مدرسة أنقرة» الشهيرة، لا يتردد خورشيد فى التفرقة بين الرسول كداعٍ إلى المبادئ الدينية الأساسية فى مكة، وبين كونه أصبح رجل دولة فى المدينة (يسرب) بعد الهجرة، وبالتالى فلا بد من التفرقة، فى تفسير القرآن، بين التعاليم الأبدية، الخاصة بجوهر الدين وقيمه الأصيلة من تسامح وإخاء ونزاهة، وبين المقولات والوقائع الخاصة بفترة زمنية محددة. فمن الأحرى شرح وإيضاح مقاصدها وتبديلها إن أمكن، لتصبح صالحة للعصر الراهن.