سألت مرة أستاذنا مصطفى أمين، رحمه الله، لماذا تُوكِل إحدى الصحف إلى «فلان» بالذات مسؤولية كتابة المقال الافتتاحى يوميا؟! فأجاب مصطفى أمين: للرجل خبرته السياسية وثقافته الواسعة وتاريخه الصحفى، لكن الأهم من كل ذلك أنه يستطيع أن يكتب ثلاثين مقالا افتتاحيا فى الشهر، جادة ورصينة، ولكنها لا تقول شيئا!! تذكرت ذلك وأنا أتابع حوار الأخ الرئيس مرسى مع قناة «الكفيل» القطرى ساعتين كاملتين، والمذيعة تسأل وتحاول الحصول على شىء -أى شىء- يبرر الجهد والوقت، حتى لا يحس المشاهد أنه فقط أمام «ثرثرة على النيل».. لكن الأخ الرئيس كان صامدا، حتى بدا الأمر وكأننا أمام جهاز تمت برمجته ولا يمكن أن يقول شيئا خارج ما تم تلقينه إياه، بما فيه من أخطاء فادحة مثلما حدث وهو يتحدث عن الإخوة الأقباط، فإذا به يخلط بين «الأقليات» و«الجاليات الأجنبية»!! ولأن ما تم تلقينه للأخ الرئيس لم يكن إلا مجموعة من المغالطات والأوهام، فقد بدا الرجل وكأنه يتحدث عن شعب آخر غير هذا الشعب، وعن دولة أخرى غير مصر.. يعرف الجميع الوضع الكارثى الذى تعيشه مصر تحت قيادة الأخ الرئيس، بينما يرى هو أن «الحياة بقى لونها بمبى»!! وأن الأمن يتحسن والاقتصاد بخير، وكل شىء جميل، والعتب على النظر، إذا كانت الملايين تكاد تفقد صبرها، وإذا كان نصف الشعب يعانى من ويلات الفقر، وإذا كانت معدلات البطالة قد تضاعفت، وإذا كان كل ما تفعله الحكومة هو تسوُّل القروض والمعونات، وإذا كان شعار «النهضة» الذى وعد به الأخ الرئيس قد تحول إلى «عشانا عليك يا رب»!! كل شىء جميل.. الفتنة الطائفية غير موجودة (!!) والجرائم البشعة من اقتحام الأزهر إلى العدوان على الكاتدرائية لا تمثل شيئا فى حسابات الأخ الرئيس (!!) و«الأخونة» مجرد وهْم عند من لا يتأخونون ولا يريدون للآخرين أن يتأخونوا (!!) والعلاقات بينه وجماعته من ناحية والجيش من ناحية أخرى هى «سمن وعسل» مع الهجوم الوقح على الجيش الوطنى والتحريض ضد قياداته(!!) ولأن «البرمجة» كانت كاملة.. فقد جاء حديث الأخ الرئيس فى إطار الحملة الشرسة ضد القضاء والإعلام. وبدلا من أن يتحمل الأخ مرسى مسؤولياته كرئيس للدولة وجدناه يحاول تبرير الهجمة على القضاء، ويكاد يحرض أنصاره على السلطة القضائية، لأن هناك -كما قال- مخاوف من بعض الأحكام التى صدرت بحكم القانون!! وبدلا من أن يدين حصار مدينة الإنتاج الإعلامى، وحرق مقرات الصحف، والتهديد بإغلاق الفضائيات وحبس الصحفيين أو قتلهم، يحدثنا الأخ الرئيس عن ضرورة مراعاة الأعراف والتقاليد والمزاج العام (!!) هل يدلنا أحد على ما يقصده الأخ الرئيس بهذا المزاج العام؟! وهل على الصحفيين والإعلاميين أن يسألوا الحكم فى كل صباح: مزاج سيادتك إيه النهارده؟! الترجمة الفعلية لإجابات الأخ الرئيس «المبرمجة» فى حواره التليفزيونى، نراها فى الواقع الذى لم يتحدث عنه، وعلى أيدى جماعته وأهله وعشيرته وحلفائه الأقربين.. اهتز «وسط» هذا التحالف ليتقدم بمشروع القانون المشبوه لضرب استقلال القضاء، ولنجد مجلس السبعة فى المئة الباطل والشهير ب«مجلس الشورى» يستعد لمناقشته متحديا الشعب كله الذى يرفض المساس بالقضاء، ويعرف أن القتلة والفاشيين هم آخر من يبحثون عن العدل!! وفى نفس الوقت كان الأخ عاصم عبد الماجد يطلب من أنصاره فى الجماعة الإسلامية محاصرة المحاكم وبيوت القضاة، ويؤكد ضرورة الاستمرار فى ترويع الصحفيين والإعلاميين، لكى تتم السيطرة على القضاء والإعلام، كما حدث مع الشرطة وفقا لما يراه!! توزيع الأدوار لا يخدع أحدا.. فنحن أمام مجموعة من الفاشيين تريد إقامة دولتها بالإرهاب الذى لا تجيد غيره.. وتريد أن تسيطر على كل مفاصل الدولة من الإعلام، إلى القضاء، إلى الجيش والشرطة يتصورون أنهم قادرون على خداع الشعب، يهددون بالحرب الأهلية، بينما الأخ الرئيس يتحدث عن بحر المحبة!! يتوهمون أن مصر سوف تصدق أن القتلة يريدون قضاء مستقلا، أو أن جماعات الإرهاب تريد صحافة حرة، أو أن الفاشية التى تضيف فى كل يوم أسماء جديدة فى كشوف الشهداء يهمها بالفعل أن يتحقق القصاص أو يسود العدل!! توزيع الأدوار لا يخدع أحدا. حين يلجأ نظام لتدمير مؤسسات الدولة، ولممارسة الإرهاب ضد الشعب.. فهى النهاية، ولو ظل الأخ الرئيس يردد حتى نهاية العمر، أن كل شىء جميل!!