البعض يرى أن التصعيد الحاد ضد الصحفيين والإعلاميين جزء من مشهد تحريضى كامل من الإخوان ضد كل المصريين المعارضين لهم، إلا أن آخرين من شيوخ المهنة يرونه استثنائيا ولا يمكن السكوت عليه، خاصة بعد تكرار التعدى عن عمد على الصحفيين فى مواقع المواجهات، بل تبرير ذلك فى أعقاب السكوت على استشهاد الحسينى أبوضيف فى «موقعة الاتحادية»، السلطة الفاشية التى ترى فى القلم والورق والكاميرا والشاشة عدوا مقيتا يجب مواجهته، هى نفسها التى كانت تحتمى بالصحافة والإعلام أيام مبارك.. ومن الضرورى أن تقف عند حدها لتعرف مع من تتعامل!
«ما يحدث الآن للصحافة المصرية هو جزء من استراتيجية الإخوان، التى تستهدف إخضاع الشعب لهم» .. هذا ما أكدته «فريدة النقاش» - رئيس تحرير جريدة «الأهالى» - عند سؤالها عن رأيها فى أزمات الصحافة المتفاقمة والتربص بالصحفيين فى عهد «مرسى»، وأضافت: الإخوان يعتمدون سياسة الترهيب وبث الرعب فى الصفوف الشعبية، وفى المقابل يقف النائب العام مُتفرجاً، ولم يخرج علينا بنتائج التحقيقات فى مقتل الحسينى أبو ضيف، وهذه الاستراتيجية الإخوانية تسعى لإخضاع جميع القوى الحية فى الدولة، وإبعادها عن الساحة السياسية، لتنفيذ خطة التمكين، التى تسير بسرعة البرق فى الدولة، بجميع مؤسساتها، تمهيداً للانتخابات البرلمانية التى سيحاولون بكل الطرق أن ترى النور.
ولفتت «النقاش» إلى أن الإخوان يسعون لإفقار المؤسسات الصحفية القومية الآن، وهذا الإفقار هو مرحلة تسبق خصخصة المؤسسات القومية، حتى تستولى عليها الجماعة الإخوانية، وتفقد المنابر الصحافية مصداقيتها وسمعتها لدى المواطن، وبعدها ستستخدم لتطبيق سياسة التمكين، ولذلك صدر قرار مجلس الشورى الأخير بتقليل دعم المؤسسات الصحفية القومية كجزء من خطتهم، لأن الإعلام هو أكثر ما يزعجهم الآن، وأتذكر أنه فى عهد مبارك كان يخشى الصحفيين، بدليل أنه عفا عن إبراهيم عيسى، لكن النظام الحالى يسعى لإرهاب الصحفيين، ولذلك يستهدفهم، لمنعهم من نقل الصورة التى تفضحهم، مثل مشهد سحل المواطن حمادة صابر، .. وتهكمت «النقاش» على تصريحات «صفوت حجازى» الأخيرة ضد الإعلام والصحافة المصرية خلال تواجده فى غزة قائلة: هذا الرجل هو اختراع إخوانى، ولا نعرف من أين جاءوا به؟! .. فهو ليس إعلامياً ليتحدث عن الإعلام، ويعبر عن توجهات الإخوان، فهم مرعوبون من كشف الحقائق، وسؤالى هنا: أين تعلم هذا الرجل الدعوة؟.. ومن الذين يوجهونه ؟.. ويكفى أنه هو من ابتكر مجلس أمناء الثورة، ونصب نفسه رئيساً له!
الكاتب الصحفى «صلاح عيسى» - رئيس تحرير جريدة «القاهرة» - قال: إن العنف المستخدم من قبل أنصار الإخوان ضد الصحفيين، أثناء ممارسة عملهم، يهدف لإخفاء الحقائق، ومنع توثيقها، ومنع تصوير جميع أشكال العنف ضد الصحفيين، وهو الأمر الذى تمارسه الجماعة من حرق للمقار، وبث الخوف والرعب فى نفوس الصحفيين، وكذلك مصادرة الصحف، وهو أمر بالغ الخطورة، ولابد من التصدى له، وكذلك التهديد الإخوانى دائماً وأبداً للإعلاميين أمر خطير جداً، وعلى الحكومة أن تلتزم باعتبار الإعلام والصحف جزءا من الدولة، وعليهم أن يعرفوا معنى حرية الإعلام ضد الحملات الإرهابية التى تستهدف ترويع الصحفيين، مشيراُ إلى أن ما يحدث الآن فى مصر لمؤسسة الصحافة العريقة من قتل وضرب وترويع سابقة تاريخية، حيث كان أقصى ما يراه الصحفيون هو رشق مقر الصحيفة بالحجارة، ولم يكُن هناك حرق لمقار الصحف، مثلما يحدث الآن، ولذلك هذه الحملات الإرهابية إجراءات جديدة فى تاريخ الصحافة.. وأكد «عيسى» أن الفرق بين الصحافة فى عهد «مبارك» وعهد «مرسى» يتلخص فى أن «مبارك» كان يعرف كيف يتعامل مع الصحافة، ف «مبارك» كان دائماً يتقى شر الصحافة، حتى لا تؤثر عليه بشكل سيئ أمام الرأى العام.. أما النظام الحالى فيمثل حالة من الإرهاب للمواطنين فى مصر، ويفتقر للذكاء فى التعامل مع المؤسسات الصحفية بشكل خاص.
وأشار «عيسى» إلى أن قرار مجلس الشورى بتقليل المساعدات المالية للصحف القومية هو محاولة لوقف ومنع نشر أعمال مؤسسات صحفية عريقة لها تاريخ، حتى تحل محلها صحف إخوانية، تعبر فقط عن النظام الحالى، دون معارضة! .. ولفت «عيسى» إلى أن أكثر شىء مخزٍ فى الأحداث التى تمر بها الصحافة المصرية هو استهداف المصورين فى محاولة لإخفاء نقل الأدلة على أخطاء نظام الإخوان، التى يقعون فيها بصورة يومية، لمعرفتهم أن الصورة لا تكذب.
الكاتبة الصحفية «نعم الباز» ترى أن ما يحدث فى مصر الآن هو حالة من حالات الفوضى الشديدة، واستهداف الصحفيين الذين يقومون بعملهم فى تغطية الأحداث يعبر عن فقدان الرؤية من قبل القيادة السياسية لدور الإعلام، ولذلك ترفض النقد الذى تقدمه وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة، لما تقوم به من ممارسات.. فضلاً عن قرار مجلس الشورى بوقف الأموال التى تضخ لمساندة الصحف القومية، هذا القرار من أسوأ القرارات التى اتخذت، والهدف منه إغلاق الباب أمام حرية التعبير، ومصادرة الحياة الإعلامية، وتكميم أفواه الصحفيين، حتى لا تكون هناك معارضة للنظام الحاكم، وأكدت «الباز» أن ما تقوم به الجماعة من استخدام العنف المفرط ضد الصحفيين يعكس حالة الخوف التى يعانى منها النظام من الإعلام.
الكاتب الصحفى «سعد هجرس» مدير تحرير «العالم اليوم» يرى أن ما حدث فى منطقة «المقطم» عمل إجرامى، غير قانونى، يدل على البلطجة، حيث كان من الأولى أن تتم مساندة الصحفيين أثناء عملهم، وليس الاعتداء عليهم، وحمل النائب العام ورجال النيابة مسئولية ما حدث، مطالبا بتحويل المعتدين إلى العدالة، مشيراً إلى أن ما حدث ليس أمرا استثنائيا، وإنما قاعدة تتبعها الجماعة منذ أول يوم تولت فيه السلطة، فهم معادون للصحافة، وهذا الأمر واضح من تصريحاتهم، فالمرشد العام وصف الصحفيين بأنهم سحرة فرعون، «حازم أبو اسماعيل» وأنصاره حاصروا مدينة الإنتاج الإعلامى، ثم حرق مقرات صحف المعارضة، وهدد صحفا أخرى مثل «الصباح» و«المصرى اليوم»، وتطور الأمر لسفك الدماء بمقتل «الحسينى أبو ضيف»، فهناك مسئولية كبيرة على الرئيس «مرسى» شخصياً، لأنه وقف صامتاً إزاء هذه الاعتداءات، بل إنه اعتبر أن ما تقوم به ميليشيات الإخوان والجماعات الإسلامية دفاع عن الشرعية.
الجماعة والفصائل الدينية المختلفة تحاول فرض رقابة دينية على الصحافة، وهذا هو خطر الفاشية الدينية.. وحول تصريحات المشايخ الذين ينتمون لهذه الجماعات، قال «هجرس»: التصريحات دائماً كاذبة ومضللة، وأنا أذكرهم بأن الذى يتحدث فى القنوات الرسمية ينتمى للجماعة، والذى يعين القيادات الصحفية بما فيها مؤسسة الأهرام هو مجلس الشورى، الذى يضم الأغلبية الإسلامية، وأكد «هجرس» أن ما تقوم به جماعة الإخوان وأتباعها من التيارات الإسلامية الأخرى سخف، ولكنه ليس جديداً، لأنه كانت هناك حملات فى عهد الرئيس «أنور السادات»، حيث حاول العصف بنقابة الصحفيين، وتحويلها لنادى، وحاول تطهير الإعلام من المعارضين، وتم إجهاض هذه الحملات، و«مبارك» أيضاً حاول تمرير قانون 59، ولكن النقيب «إبراهيم نافع» - وقتها - نجح فى إلغاء هذا القانون، ورفض تكميم الأفواه.
الكاتب الصحفى «مكرم محمد أحمد» - نقيب الصحفيين الأسبق قال: إنه لا يوجد فارق بين النظام الحالى والنظام السابق، ولكن السابق كان لديه مهنية فى التعامل مع الأمور، والحالى يعمل بشكل «غشيم»، حتى اختيار رؤساء الصحف كان يتم بمنهجية، ولكن الآن تصدر التغيرات بلجنة تضم 3 أفراد، لا يعرفهم أحد.. وأضاف: كنا نعتقد أنه بعد الثورة ستتحول الصحف لمؤسسات حقيقية، تتمكن من اتخاذ قرارها.. أما التصريحات التى تصدر عن أتباع الجماعة فلا تعنى شيئاً، فمن هو صفوت حجازى؟! .. أنا لم أسمع عن هذا الرجل من قبل! مجرد هتيف للجماعة.. أما تصريحات قيادات حماس ضد الصحافة المصرية فهى أمر غريب، خاصةً فى ظل شكوك الشعب فى دور حماس فى قتل الجنود فى رفح والعمليات السلفية الجهادية التى تتم، واتهامها بأنها مسئولة عن اقتحام السجون المصرية، أثناء ثورة يناير، والجانى لا يرد بشكل موثق على هذه الاتهامات.
الكاتب الصحفى «عبدالجليل الشرنوبى» - رئيس تحرير موقع «إخوان أون لاين» سابقاً - أكد أن ما يحدث هو امتداد طبيعى لسياسة التمكين، التى يسعى الإخوان لتطبيقها، ولذلك هم يحاولون الدفاع عن هذه الفكرة، ولكن الإخوان اصطدموا بواقع شديد لم يتخيلوه، ولكن رهان الإخوان الأساسى هو أن الشعب ليس لديه صبر، وهم جماعة تضم العديد من التيارات الدينية، التى وقفت معهم على قلب رجل واحد أمام جامعة القاهرة، مشيراً إلى أن الإخوان مشكلتهم الأساسية فى الجيش والإعلام، فقرروا التخلص من الصحفيين بالقتل وإطلاق النار وترويعهم، فى محاولة منهم لإخفاء الأدلة، بالإضافة إلى محاولة إغراق المؤسسات الصحفية فى المشكلات المالية، لتنشغل عما يحدث فى الساحة السياسية، وتبقى وسائل الإعلام الإخوانية، فضلاً عن اتهام الصحف بالكذب، مثلما خرج علينا «محمود الزهار» واتهم الأهرام العربى بأنها صهيونية، وهجوم المرشد و«صفوت حجازى» وغيرهم،مازلنا نقف على سلم نقابة الصحفيين للهتاف ضد سياسة رئيس الجمهورية، ولكن الفرق أن الصحفيين فى عهد مبارك كانوا يخشون على حريتهم، أما اليوم فالصحفيون يخافون على أرواحهم.
المحلل السياسى عمار على حسن قال: السلطة تدرك جيداً أنها مهزومة فى المعركة الإعلامية، لافتقادها الرؤية والمتخصصين، وانحيازها لأفكار عفى عليها الزمن، وهو ما تسبب فى فقد الجماعة جزءا كبيرا من شعبيتها، لاعتقادهم أنهم الجماعة الطاهرة والمعارض عدو لهم! والقادم أسوأ.
«عمار» أضاف: أتوقع أن يكون هناك قانون لتنظيم البث قريباً، وهذا ما كان ينادى به أنس الفقى وزير الإعلام الأسبق قبل الثورة، والإخوان سيكملون ما بدأه مبارك لتكميم الأفواه، والنظامان يعملان لاستهداف الصحافة، لكن مبارك كان أكثر حرفية فى التعامل مع الضغوط من الإعلام بطريقة ناعمة، فقد كان يريد تقليل الحديث عن ملف التوريث، أما النظام الحالى فيتمتع بالبلاهة، وليس لديه أى رؤية، ويتصرف مع الأمور بطريقة مفضوحة.
محمود سلطان - رئيس تحرير جريدة «المصريون» - قال: استمعت لقيادات إخوانية، ووجدت أن هذه الجماعة لديها عقدة الكراهية من الإعلام بشكل عام، والصحافة بشكل خاص، لأنهم يعتبرون أنفسهم ضحية هذا الإعلام، ولأن الجماعة تسير بمبدأ السمع والطاعة، بالتالى من نشأ فى ظل هذا الفكر، من الصعب أن يتحلى بالديمقراطية، وستشهد الصحافة فى عهد الإخوان ما هو أسوأ بكثير مما يحدث الآن، وأكبر دليل على ذلك أن الدستور الذى كتبته الجماعة وحلفاؤها ألغى سلطة الصحافة.