وسط الأطلال في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين على مشارف العاصمة السورية دمشق، كان عازف البيانو أيهم الأحمد يمثل بصيص أمل وسط كل هذا الدمار. وتداول المستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من مواقع الإنترنت باهتمام بالغ الفيديو الذي يظهر فيه الشاب السوري وهو يعزف الموسيقى وقد اجتمع حوله بعض الأطفال وسكان شوارع المدينة التي نالت منها الحرب. واعتبر أيهم رمزًا للصمود أثناء جلوسه وسط هذا الكم من الخراب يعزف الموسيقى على البيانو الذي نجا من القصف المتبادل من أطراف الصراع في سوريا، لكن أيهم انضم أخيرًا إلى الملايين الذين فروا من سوريا. وتحدث إلى مراسل "بي بي سي"، إيان بانيل، عن كل محطة من محطات رحلته إلى أوروبا. الرحيل إلى تركيا يقول عازف البيانو السوري: "بعد 6 أشهر من حصار اليرموك، أصبحت الحياة في المخيم شبه مستحيلة، فقد مُنِع الدقيق والخبر من دخول المخيم، وكل شيء اعتدنا الحصول عليه تقريبًا". وأضاف: "اعتدنا أن نقول فيما بيننا إنهم سوف يمنعون الهواء من دخول المخيم إذا استطاعوا أن يفعلوا ذلك، في ذلك الوقت، بدأت أشعر باقتراب إصابتنا بالطاعون، ساعتها احتضنت أولادي، وتساءلت عن سبب وجودنا هناك، وماذا نفعل ببقائنا؟" وتابع: "لقد كانت أصعب فترات حياتي، وأعتقد أنني لن أواجه ما هو أسوأ من ذلك". وذكر: "في يوم عيد ميلادي في أبريل هذا العام، قررت مغادرة المخيم، كما لم أستطع أن أستمر في عزف البيانو لأن العزف أصبح يشكل خطرًا على حياتي، لذلك وضعت البيانو أعلى شاحنة وغطيته بالورق المقوى وبدأت محاولة الرحيل". ولكن أحد مقاتلي تنظيم الدولة استوقف أيهم الأحمد وهو ينتقل مع البيانو الخاص به فقال له: "ألا تعلم أن المعازف (الآلات الموسيقية) حرام"، ثم أضرم النيران في البيانو. ووصف الشاب السوري رحلته بأنها كانت "خطيرة"، إذ تضمنت السير على الأقدام لأربع ساعات مع الثعابين وسط الصحراء. ولحسن الحظ أنه كان وحده مخلفًا أطفاله وراءه، ما مكنه من إسعاف الكثير من الرجال الذين كانوا يسقطون من فرط الإرهاق والتعب أثناء الرحلة. الرحلة إلى أزمير يقول أيهم: "ينتابني الرعب من الرحلة عبر البحار، وكلما اقتربت من أزمير، يزداد قلقي منها، وتساءلت هل يكون البحر مثلما كان في آخر مرة رأيته فيها في اللاذقية عام 2007؟ هل يكون هادئًا أم يتحول إلى هذا النوع من البحار الذي أخذ حياة الطفل منذ أيام قليلة؟" وبمجرد أن وصل الشاب السوري إلى أزمير، قابل عمه ونسق معه رحلة العبور إلى تركيا، لكن مخاوف بدأت تطارده حيال إمكانية التعثر أثناء الرحلة لأنه أدرك أن ما بقى معه كان مبلغ صغير من المال. وكان يريد البدء في الرحلة في أقرب وقت ممكن حتى يتسنى له استقدام زوجته وأطفاله إلى ألمانيا ويتمكن من رؤيتهم ثانية. وفي الطريق إلى تركيا، واجه الشاب المهاجر هربًا من ويلات الحروب عاصفة رملية، وأصبح الجو عاصفًا وأكثر برودة، وعلت الأمواج ورأى أشخاصًا يرتعدون من البرد داخل خيامهم في أوروبا. ذكر أيهم: "رغم التعب الشديد، كنت أتلهف إلى عبور البحر في أقرب وقت ممكن، ربما أنجو من الغرق، لكن من الممكن أن أموت من البرد الشديد في أوروبا". العبور إلى أوروبا يروي أيهم قصة العبور إلى أوروبا التي بدأت بعطل في الزورق الذي كان يستقله مع الآخرين توقفوا بعدها في عرض البحر ليومين كاملين. يقول الشاب السوري بعد وصوله إلى أوروبا: "أحمد الله أنني هنا الآن، إنه شعور رائع، أشعر بأن الأمل يتجدد في كل منطقة أخطو فيها بقدمي". وأضاف: "عندما غادرت سوريا إلى تركيا، شكل ذلك فارقًا كبيرًا بالنسبة لي، وعندما كنت في أزمير، شاهدت المياه الجارية والطاقة المتجددة، بالفعل شعرت بفارق كبير مقارنة بالوضع الذي كنا عليه في المخيم". وذكر: "الآن أستطيع أن أرى الغابات والطبيعة الخلابة والشاطئ النظيف، لقد كنت عصبيًا، إذ لم أكن أتصور أنها بهذا البعد، وفكرت في وقت ما أن أرتدي سترة النجاة وأنزل للسباحة نحو الشاطئ". وتابع: "كان المهرب الذي حملنا على متن الزورق الذي عبرنا معه يستغرق وقتًا طويلًا لدرجة أنني تصورت أنه يخدعنا، لكنني عبرت البحر وموجود الآن في اليونان وأشعر بسعادة وارتياح". وأشار إلى أنه يشعر بالتعب الشديد بعد عناء الرحلة التي جعلتهم في توتر مستمر حتى تم لهم العبور علاوة على الذعر الذي تملكهم طوال الرحلة، ووصف أيمن الرحلة بأنها كانت سهلة، إذ كان البحر هادئًا ولم يكن هناك متاعب بسبب خفر السواحل. يقول الشاب السوري إنه أصبح الآن بعيدًا عن الخطر وأنه يأمل في الوصول إلى مكان آمن حتى يتمكن من استقدام زوجته وأطفاله، مؤكدا على أن أي مكان سوف يكون جميلًا إذا كان فيه بصحبة أحمد وكنان وأمهما. وأشار إلى أن لم الشمل سوف يتحقق عندما يصل إلى ألمانيا وينعم ببعض الاستقرار.