وما زلت أشفق على ذاك المسكين الذى رشّحته الجماعة للرئاسة، ويبدو أن الإغراء الذى قدّمته له الجماعة كى يقبل أن يحمل هذا الهم الثقيل هو وعدهم له: حنسيبك تتكلم وتخطب زى ما انت عايز. الرجل قتل الصحف والقنوات بحثًا ويبدو أنه أعد قائمة بمن أغاظه وأرسلها إلى النائب العام، وهو مسكين لأنه هو وجماعته لا يدركون طبيعة اللحظة التاريخية التى تقلّدوا هم فيها مقاليد الحكم فى مصر. الرجل يظن أن مرشحى الرئاسة الخاسرين هم الذين يثيرون الشارع ضده، «غيرة» منه، لأنه فاز وهم خسروا! والجماعة قديمة فكرًا وتنظيمًا وتكوينًا، لا تملك فكاكًا من أسر النظام القديم، بل لا تملك الخروج من كتب التاريخ التى تعيش فيها، وليتهم يقرؤون التاريخ بشكل موضوعى علمى، بل إنهم يقرؤون فقط لمؤرخى السلطة الذين كانوا يسبحون بحمد الخليفة، ولم يقرؤوا ابن إياس أو المقريزى أو حتى الجبرتى أو أى مؤرّخ عكس نبض الشارع المصرى، وطبيعته الساخرة. كتب إيه؟ والله ولا قرؤوا كتب التاريخ.. دول اتفرّجوا على مسلسلات أشرف عبد الغفور، وبلغ ثقل ظل الجماعة أنهم أمروا بضبط وإحضار باسم يوسف.. إيه تقل الدم ده؟ فكرتان تسيطران على الجماعة، ولن تسمحا لها بالمكوث فى السلطة، وأظن، ولا فى البلاد، لأمد طويل: الأولى هى السمع والطاعة، والثانية هى عشمهم فى تحقيق عملية الإحلال والتبديل لتحويل كل مؤسسات الدولة تحت سيطرة الجماعة، ظنًّا منهم بأن ذلك ممكن استدلالًا بما حدث بعد ثورة 1952، حيث قامت المؤسسة العسكرية بالهيمنة على كل مؤسسات الدولة. الأدهى أن الجماعة ليست لديها خطة واضحة عمّا ستقوم بفعله، لكنها تنظر حولها وترى ماذا فعل الآخرون وتقلّدهم تقليدًا أعمى دون دراسة الظرف والمتغيرات. ثم ما يلبث أعضاء الجماعة أن يبدوا اندهاشهم: الله هو احنا اللى بنعمله مش عاجبكوا ليه مع إنه عاجبنا وعاجب مراتاتنا؟ للإنصاف والحق، فإن اللحظة التاريخية التى نعيشها تقتضى ما يحدث فى الشارع بغض الطرف عمن يمسك بمقاليد الأمور. وكما قال الرئيس محمد مرسى لا فض فوه: أنا رئيس بعد ثورة. طيب كويس إنك عارف. رئيس بعد ثورة، أيًّا كان اسم هذا الرئيس يعنى بالضرورة أن باسم يوسف سيسخر منه وأن علاء عبد الفتاح سينتقد كل شاردة وواردة فى تصرفاته وأننى ورشا عزب سنمارس تظاهرنا اللا إرادى ضده، سواء كان الرئيس هو محمد مرسى العياط، أو حمدين صباحى، أو البرادعى، أو خالد علِى، أو عمرو موسى.. أو علاء عبد الفتاح ذاته. الفارق لن يكون فى تحركات الشارع، وتربّصه بمن يحكم بعد عقود من الديكتاتورية، وإبداء اعتراضه على ما يراه غير مناسب، الفارق يكون فى مَن يتقلَّد منصب الحكم وفهمه لطبيعة اللحظة، واتجاه الشارع، ومدى امتلاكه حلولًا، ولو مؤقتة، تقلّل من حدة التوتر والقلق، وهل لديه خطة حقيقية لتلبية متطلبات الشعب والوطن؟ ومدى شفافيته، وأخيرًا حنكته فى التعامل مع الناس. وليعلم كل مَن يريد أن يحكم مصر أننا صبرنا حتى اشتكى الصبر منا، ولم نجن من الصبر سوى العلقم، وحين قالت لى أمى: ما تصبروا.. ما احنا صبرنا على عبد الناصر، بادرتها: وفى الآخر اتهزمتوا من كتر الصبر.. لا يا ستّى، كان فيه وخلص، ما عدناش نصبر على حد لحد ما نلاقيه لابس بينا فى الحيط ونقعد نعيّط. وبخلاف أن المقارنة بين عبد الناصر وأى رئيس يأتى بعده ستكون ظالمة لذاك الرئيس، لأن عبد الناصر شخص استثنائى جاء فى لحظة استثنائية، فإننا الآن فى لحظة استثنائية أخرى تختلف فى طبيعتها عما سبقها، لكن الجماعة لا تختلف فى طبيعتها أبدًا، منذ أكثر من ثمانين عامًا وهى تحمل نفس الفكر، والآليات، والخطط، وردود الأفعال. ما زالت الجماعة حبيسة الماضى، وأسيرة النظام السابق، تبغض القيادات السابقة، وتنظر إليهم بإعجاب فى ذات الوقت، كانت تخاف منهم، وتتمنى أن تحل محلّهم، وتسلك سلوكهم. يا سيد مرسى، لا أنت ناصر، ولا السادات، ولا حتى مبارك، ولا نحن فى لحظة تاريخية تسمح لك بتقمّص شخصياتهم، ولو أن ناصر والسادات بعثا من الممات لما تسنّى لهما فعل ما فعلاه من قبل، ولا أحتاج إلى مناقشة وضع مبارك، لأنه فى السجن الآن.. تحب تبقى زيّه؟ صاحب العقل يميّز. ومَن أراد أن «يستعبط» ويفرض معاييره، ويعمل لنا فيها عتريس وبلوة سودا وقتّال قتلا.. فلا يلومن إلا نفسه.