كتب - محمود عبد الرازق أصدرت دار "روافد" للنشر والتوزيع، ديوان "ذاكرة نبيّ لم يُرسَل"، للشاعرة الشابة سلمى فايد، وهو تجربتها الشعرية الرابعة بعد دواوين "ميلاد الأوركيد" و"عزلة الغريب" و"كوابيس ما بعد الخطأ"، وبعد روايتها الوحيدة "الرباط الأسود". يتألف الديوان من اثنتين وعشرين قصيدة من شعر التفعيلة، وقصيدة وحيدة من الشعر العمودي، أرادت فيها الشاعرة أن تكسر عموديَّته فكتبتها على تفعيلة جديدة هي "مُتَفاعلن فعلن". موسيقى قصائد "ذاكرة نبي لم يُرسَل" التي خرجَت من روح النَّصّ التفعيليّ، امتزجت امتزاجًا عمديًّا مع موسيقى المعنى، فخلقَت في كثير من قصائد الديوان سيمفونيات روحانية صاخبة كأنها صرخات جنّيّ أغلق عليه المصباح، فانفجر داخله إلى شظايا لم تجد بدًّا مع الغلق من التلاحم مرة أخرى ليصرخ مرة أخرى... وعلى الرغم من أنه ليست كل هذه القصائد تتناول بشكل واضح فكرة النبوّة، فإنها توحي بأن هذه الفكرة كانت مسيطرة على الشاعرة في أثناء الكتابة، وفي أثناء اختيار عناوين القصائد، تمامًا كما احتوى الديوان على قصائد أخرى لم يُشِر عنوانها إلى فكرة النبوّة، وإن أشار محتواها إلى ذلك، في دلالة واضحة على توحُّد النبيّ مع الشاعر والشاعر مع النبيّ. ومن أجواء الديوان نرى قصيدة "كسر بالغ في الساق" التي خرجت في معظم مقاطعها من الشكل التفعيلي في الكتابة إلى الشكل النثري، محافظةً على الإيقاع العروضي حفاظًا تامًّا، فتقول: "من حق مَن حمل الدليلَ.. لكي يدلّ السائرين.. ولم يصدّقهُ أحدْ.. ألا يفارق ظلّ حكمته.. وأن يرث السكوت إلى الأبد.. كان المساء يزيد من وهج الشموع.. ولم يكُن هو يقصد المعنى الصريح من الشموع ولا المساء.. وإنما هي رؤية الحكماء للضوء المقاتل في مواجهة السواد ليُثبِتوا أن الخسارة في قتالٍ ظالمٍ هي قمّة الربح الشريفِ... ولم يكُن صبَغَ الهواء بما يليق من الرحيقِ.. ولا ارتدى زيًّا فروسيًّا جديرًا بالتي ستجيء كي يجد الوحيدُ مكانه في الكون أوضحَ.. لم يراجع ما يقول العاشقون ولا تَلبَّس أي دور في نصوص المغرمين الهالكين..". وتقول في قصيدة "كل الحكاية ذكريات": "كنا معًا.. كنا نطير إلى زمان لا يقاتلنا.. إلى قدر يعانقنا.. ويمنحنا بلادًا قد تصدّقنا وتمطر فوق راحات المحبين ابتساماتٍ.. وموسيقى.. ولا تقسو على قلب يعذبه الفراق". تجربة الديوان في عمومها تجربة ثرية قويَّة، ونقلةً نوعية في مشوار الشاعرة سلمى فايد الشعري، منبئةً بشاعرة واعدة لها رؤيتها الخاصة وعالَمها الخاص.