تزعجنى حالة التملق وتصريحات النفاق التى تخرج من بعض المسؤولين والمرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة لجماهير الألتراس والكتاب الصحفيين ومقدمى البرامج على التزامهم بالتشجيع الملتزم خلال مباراة الترجى التونسى التى انتهت بالتعادل وخروج الأهلى من البطولة الإفريقية، وقد بدأ الحملة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء، على صفحته على «الفيسبوك» ثم أتبعها الدكتور محمد البرادعى بكلمتين حلوين ينفعوا فى اليومين الصعبين للانتخابات، وبينهما قامت فرقة الفضائيات للفنون النفاقية بالمدح والطبل والزمر والرقص فرحا بالتزام الجماهير بالتشجيع المنضبط، بعد أن كانت قبل يومين تتهم الألتراس بأنهم سبب إعادة إشعال الفتنة بين الشعب والشرطة ودس بعضهم اسم الألتراس فى قضية اقتحام السفارة وأحداث مديرية أمن الجيزة. ومعالجة القضية سواء بالمدح الشديد أو الذم القبيح فيه خطأ كبير، كما أن استغلال جماهير الكرة فى خطابات سياسية خطر أكبر، وتأكيد الفصل بين جماهير الكرة ومحترفى السياسة مهم حتى لا تخرج الأمور عن نسقها الطبيعى وتتحول الملاعب إلى ساحات سياسية وتنقسم المدرجات لأحزاب وجماعات. وما يزعجنى فى هذا النفاق أنه يأتى فى غير موضوعه، فالسيد رئيس الوزراء يشكر الجماهير على أنها التزمت بالتشجيع فى المدرجات، وكأنه من المفروض أن تضرب وتشتم وتكسر وتشعل النار والشماريخ، فالمشجع كما هو مكتوب فى الكتب يذهب إلى الملعب لمؤازرة فريقه ومشاهدة نجومه على الطبيعة ويستمتع باللعبة التى يحبها، أما الشتيمة والشغب وإهانة الآخر والاعتداء عليه فهذا هو الخطأ والاستثناء، وهو موجود أيضا فى كل الملاعب، وبعنف أشد من العنف الذى نراه فى ملاعبنا، والسيطرة على هذه الحالات الاستثنائية تكون بالعقوبة المشددة من قبل اتحاد اللعبة على الجماهير المخطئة، هذه هى القواعد التى نعرفها ليس من بينها أن نشكر جمهور الفريق على أنه التزم بدوره، فما بالك أنه فى نفس الصفحات التى تنشر كلام الشكر والإشادة من رئيس الوزراء والبرادعى، تجد خبر أن القوات المسلحة التى كانت تؤمن الملعب أحبطت محاولة من بعض الجماهير المتعصبة لاقتحام الملعب وأن بعضهم نجح بالفعل فى الوصول إلى غرفة ملابس اللاعبين ولكن تم السيطرة عليهم، أقصد أنه حتى المجاملة لم تأت فى موضعها وكان هناك بعض التجاوزات. والمشكلة أن نفاقهم أعماهم عن رؤية العمل الفنى الرائع الذى قامت به جماهير الألتراس للتضامن مع زملائهم المحبوسين منذ موقعة مباراة كيما أسوان، هذه هى الحكاية، وذلك هو التميز، والإبداع فى العمل الجماعى، حيث قام ما يقرب من ألفى مشجع ألتراساوى أو يزيد برسم وجوه زملائهم من خلال تشكيلات بديعة غطت المدرجات وكتبوا أعلاها الحرية للألتراس، فعلا الحرية لأصحاب هذه الأفكار وتلك الروح الجماعية والنظام الدقيق الذى يسمح لهم بإبداع تلك الأفكار وتنفيذها بهذه الدقة من خلال بشر متنوعين ومختلفين فى الثقافة والفكر والتعليم، ولا يعملون تحت راية أى مؤسسة نظامية، وكما علمت فإنهم يتدربون على تنفيذ هذه الأفكار واللوحات فى مناطق مفتوحة حول الاستاد أو فى محيط مطار القاهرة، هذا هو الكلام الذى يحتاج الإشادة والدراسة لبحث سبل الاستفادة من هذه الطاقات القادرة على العمل بشكل جماعى فى وقت انتشرت فيه الفردية والذاتية، ويزيد إعجابك بهذه المجموعة قدرتها على الاتصال والتواصل لا عبر «الفيسبوك» و«تويتر»، بل التواصل على الأرض، فتلك الجماعة لا تترك نفسها سجينة شاشة الكمبيوتر، بل تتحرك خارج هذه النافذة، وتتفاعل لتنتج عملا فنيا لا نراه إلا من العاملين فى الوزارات العسكرية والنظامية، حيث الأوامر وعصا العقاب هى التى تحكم دقة التنفيذ، أما هؤلاء فيفعلونها إيمانا بالفكرة. ويزيد إعجابك بهم إعجاباً أن تنفيذ هذه الأفكار يأتى بالجهود الذاتية والتبرعات، لا بمعونة أجنبية، كما أن تدريباتهم تجرى فى الهواء الطلق وفى الساحات المفتوحة.