كتبت - أميرة عاطف لا يمكن اعتبار المخرج الكبير يسرى نصر الله مجرد سينمائى يقدم قصصا وحكايات على الشاشة، فهو أقرب إلى المفكر الذى يطرح دائما قضايا تناقش الواقع بعمق، حتى لو كانت هذه المناقشة صادمة، مثلما فعل فى فيلمى «مرسيدس» ثانى أفلامه و«بعد الموقعة» آخر أفلامه، الذى تم عرضه فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائى الدولى قبل 3 سنوات. وإذا كان يسرى نصر الله ينطلق فى أفلامه من الوجع الخاص ليناقش آلام الوطن، مثلما فعل فى ملحمته الرائعة «باب الشمس»، الذى يتناول القضية الفلسطينية، فإنه فى حواره مع «التحرير» يكشف عن رؤيته للواقع السياسى والاجتماعى حاليا، كما ننفرد بتفاصيل تجربته السينمائية الجديدة التى ما زالت فى مرحلة التحضير. ■ ما مصير مشروع فيلم «حب رومانسى بنفسجى»؟ - سيناريو الفيلم واجه مشكلات مع الرقابة، وتم حلها، لكن هناك 17 ملاحظة جعلت المنتجين مترددين فى إنتاجه، خوفا من أن يحدث معه مثلما حدث مع فيلم «حلاوة روح»، لذلك أحضر حاليا لفيلم آخر من زمان كان نفسى أعمله بعنوان «الماء والخضرة والوجه الحسن» عن الأكل والطباخين، والفكرة صاحبها باسم سمرة. وتعود إلى أيام تصوير فيلم «صبيان وبنات»، واشتغل عليها ناصر عبد الرحمن لكن لم يعجبنى ما تمت كتابته، فعدت وكتبت بنفسى ولم يعجبنى أيضا، ثم عدت وعملت مع السيناريست أحمد عبد الله على الفكرة، وأصبح هناك مشروع للفيلم. ■ ما الفكرة التى يدور حولها الفيلم؟ - الفيلم يدور حول عالم الطباخين الذين يعملون فى الأفراح فى الريف، ويذهبون من فرح إلى فرح، وهناك أشياء مهمة يتجاهلها الناس وهى البهجة، وبالنسبة إلىَّ الطباخ الذى يذهب من فرح لفرح «بنى آدم حر»، والسبب الأساسى الذى جعلنى أعيد كتابة الفيلم مرة أخرى بعد كتابته فى التسعينيات أنه كان فيه «سياسة كتير»، وبالنسبة إلىَّ الفكرة الأساسية هى «البنى آدم الحر اللى مش هيبقى خدام عند حد». ■ هل الاستعانة بالسيناريست أحمد عبد الله له علاقة بمعايير السوق؟ - إطلاقا، لكن أحمد سيناريست «شاطر»، ويعرف كيف يتعامل مع الشخصيات الكثيرة، والفيلم لا تدور أحداثه فى يوم واحد كعادة أفلام أحمد عبد الله، فاليوم الواحد فى أفلام أحمد عبد الله مرتبط بكارثة أو تفجير، ولكننى أقدم فيلما عن الحرية «ماينفعش يبقى يوم واحد». ■ لماذا طالت فترة الانتظار بعد تجربتك فى «بعد الموقعة»؟ - كان لا بد أن أقدم «حب رومانسى بنفسجى» ولكن تم تأجيله، وسأقدمه ولكن ليس فى الوقت الحالى، وربما لا أقدمه فى مصر، والفيلم ليس فيه مشكلة، ولكن به أشياء لا تستطيع عقلية الرقابة فهمها، فهى ترى أن هناك شخصا أخطأ ولا بد أن ينزل عليه عقاب ربانى، «ربنا اللى بيعاقب مش أنا اللى هأعاقب الشخصيات بتاعتى». ■ هل المناخ الحالى يجعلك تأخذ فترة فى التحضير لعمل جديد؟ - بالتأكيد هناك جانب من المسألة يتعلق بذلك، خصوصا بعد فيلم صعب مثل «بعد الموقعة» تبعاته النفسية صعبة علىَّ، وحدث لى ذلك مع «مرسيدس»، الذى تم استقباله برفض ونفور شديد، «وشوية شوية تحول لفيلم الناس بترجعله»، ليس لأنه سابق وقته، فهذا ليس حقيقيا، «مافيش فيلم اسمه سابق وقته، ده كلام فارغ» هناك فيلم الناس تقبله فى لحظتها، وفيلم يسبب نوعا من الصدمة وبمرور الوقت الناس تقبله، ودائما بعد فيلم من هذه النوعية أحاول أن أجد طريقة أخرج بها من هذه الإشكالية «عشان مابقاش عنيد» وأسعى لتقديم شىء مختلف، والشىء المختلف يأخذ وقتا، وغالبا يكون فيلما عن أشياء أساسية، فالوصفة بعد «مرسيدس» كانت «المدينة»، وهو بالنسبة إلىَّ فيلم عن أشياء أساسية مثل الرغبة فى الحياة والهجرة والحب، و«حب رومانسى بنفسجى» الذى كتبه زكى فطين عبد الوهاب فى البداية يتحدث عن الحب وهو شىء أساسى، وفى الفيلم الجديد «الماء والخضرة والوجه الحسن» الأكل والزواج أيضا من الأشياء الأساسية. ■ بعيدا عن السينما، وكمشارك فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، هل كنت تتخيل أن تصل الأوضاع السياسية والاجتماعية إلى ما هى عليه حاليا؟ - نعم، فمنذ أيام ثورة 25 يناير عندما حدث التحالف السريع جدا بين الإخوان والمجلس العسكرى على مدى سنة 2011، وكل التنازلات التى كانت تقدمها القوى الديمقراطية للجماعات الإسلامية بعدم المطالبة بالدستور أولا، وعدم المطالبة بالديمقراطية أولا، والانسياق حول فكرة القصاص وتطهير الداخلية. وكان كل ذلك أشياء من الممكن الموافقة عليها، لكنها ليست جوهرية، كان طوال الوقت هناك ضغط، كما أنه كان لدينا مؤشرات واضحة تتعلق بالمواطنة، فتقع أحداث ماسبيرو، وحقوق المرأة فتتعرض فتاة للضرب فى التحرير، وما أثير من تساؤلات مثل: «ليه لابسه عباية بكباسين»، وأشياء غريبة حدثت، ونحن توحدنا 18 يوما فى ثورة يناير لإسقاط مبارك وذلك لم يكن كافيا، حيث ظهرت كل الاتجاهات، فهناك من هو مع العدالة الاجتماعية، ومن يريدها إسلامية أو عسكرية، وفى 30 يونيو كنا متوحدين حول شىء واحد هو رفض الإخوان وعدم تغيير الهوية الوطنية لمصر، «وأول ما خلصنا من الإخوان اتفشكلنا تانى»، وما حدث شىء طبيعى، فالثورة ليست «اخطف واجرى»، ولكننا أمام مفهوم معقد وهناك أشياء كثيرة تغيرت، فالوضع فى نفسية وعقلية الناس تغير أو اهتمامهم بالسياسة تغير، فهناك أشياء لم يكن ممكنا التحدث عنها، مثل تجاوزات الشرطة والتى يتم تناولها حاليا حتى فى الصحف القومية والخاصة، وكذلك أشياء أخرى لم يعد ممكنا إخفاؤها، فالعملية شديدة التعقيد، فليس هناك ثورة نجحت فى لحظتها وعاد الناس مسرورين. ■ معنى هذا أن هناك أملا فى تحسن الأوضاع؟ - الحديث عن الأمل رفاهية، فهناك حياة وأمر واقع يجب أن تتعامل معه كفرد أو كحزب أو قوى سياسية بأكثر الطرق صدقا مع نفسك، بالتأكيد هناك أمل لكن كم من الوقت يستغرقه تحقيق ذلك، فالعملية معقدة. ■ هل ترى أن تغيير الأوضاع سيحدث بشكل ناعم أم بعنف؟ - سيكون هناك أشياء ناعمة وأخرى عنيفة، وأنا لست منجما، وليس لدينا من الرفاهية لوجود كلمة تفاؤل وتشاؤم وأمل وفقدان أمل ويأس، وأنا كسينمائى ليس لدىَّ هذه الرفاهية، «تفتكر فيلمك هينجح، أنا بأعمله»، وبالنسبة إلى الشعب هناك من يرى أن هناك أشياء فظيعة تحدث وهو متمسك تماما بالوضع، منطقيا المفروض أن الدنيا تنفجر، «ليه مابتنفجرش»، لسبب بديهى وهو أن الناس لا تريد هذا الانفجار، ولأن الانفجار فى هذه اللحظة سيكون كارثة، لكن هذا لا يمنع أن الناس تعارض. ■ تمسك الناس بهذا الوضع يرجع إلى أنهم «زهقوا» أم أنهم خائفون؟ - هم خائفون، لكنهم ليسوا خائفين من الشرطة أو القمع، لكنهم يتعاملون بمنطق «طب وبعدين، خلينا ماسكين فى ده، ونشوف هيوصلنا لغاية فين ونزق العربية حبة بالطريقة اللى عرفنها، وحبة بأنهم يقولوا لا عايزين نغير». ■ هل هذا ما يجعل كثيرا من الناس تشعر أن الأنظمة تتغير لكن الأشخاص لا يتغيرون؟ - هناك أشياء تتغير فى النظام رغما عنه، فقبل ذلك طريقة القمع والسجن كانت تتم بشكل مستتر، «دلوقتى عينى عينك»، وأنا لا يهمنى النظام، ولكن يهمنى حالة الناس، «وطول ما فكرة المواطنة والعدالة الاجتماعية والحقوق المتساوية وتقبل الآخر للدرجة دى مختلة، طول ما فيه ناس عادى يتحرق بيوتها فى الفيوم ويتعمل جلسة صلح»، هذا ما يجب أن يتغير، ولكن هل النظام يشجع هذا التغير؟ لا يشجعه، «وليه يشجعه، طول ما إحنا جهلة وبنتخانق على هبل بدل ما نتخانق على حقوق حقيقية، طول ما هما يقدروا يعملوا اللى هما عايزينه ويقولوا إحنا مش جاهزين للديمقراطية». ■ هل الشعب المصرى فعلا غير جاهز للديمقراطية؟ - «مافيش حاجة اسمها كده»، فعلى سبيل المثال هل الشعب المصرى ليس مؤهلا، إن شخصا لديه مؤهلات عالية ووالده زبال «ماينفعش يبقى وكيل نيابة»، هل المجتمع المصرى ليس مؤهلا أن شخصا قبطيا يكون طبيب أمراض نساء، فهذا جزء من الديمقراطية، لكن عندما نأخذ الديمقراطية كأشياء هلامية سنجد «أن مافيش حد مؤهل فى الدنيا.. نأخذها حتة حتة»، فماذا تعنى الديمقراطية؟ الحقوق المتساوية وأن يكون هناك أجر عال مقابل العمل الذى أؤديه، وأن لا تكون علاقتى بالعمل هى علاقة رشوة، وأن لا أجلس دون عمل، وأتوقع أن الحكومة «تصرف علىَّ»، كل هذه أشياء لها علاقة بالديمقراطية، وكذلك أن يكون التعليم على مستوى جيد، وأن يكون من حقى أن أعرف، «مش أدخل مدرسة فى الزمالك ألاقى يافطة مكتوب عليها لا تتدخل فى ما لا يعنيك ولا تتحدث فى ما لا تعرفه»، فالمفروض أن المدرسة تعلمنا ما لا نعرفه، حتى نستطيع التدخل فى كل شىء، لأن كل شىء يعنينا، فالمنظومة التعليمية غريبة، ولو تعاملنا مع الموضوع «حتة حتة» لن نسأل هذا سؤال «أنت مؤهل للديمقراطية أم لا»، و«ليه ده ما بيحصلش». ■ ولماذا لا يتحقق ذلك؟ - لأن هناك ناسا تتقاضى مبالغ كبيرة جدا مقابل «إنك تفضل حمار»، وهؤلاء الناس من الداخل. ■ ما تفسيرك لوجود عدد من شباب الثورة فى السجن حاليا، خصوصا أن الرئيس وعد بالإفراج عنهم؟ - هذا هو الثمن الذى يدفعه أى شخص عندما يواجه نظاما قمعيا، وقرأت فى إحدى المرات أن أجهزة سيادية قالت له «لا مايطلعوش»، ولو فكرنا بالعقل لا ماهينور المصرى ولا يارا سلام ولا سناء سيف من الإخوان لكن هم «ألعن» لأنهم ليسوا إخوانا، فمن السهل أن أقول على الإخوانى إرهابى وهو إرهابى فعلا، لكن شخصا ليس إرهابيا ولديه مشكلات كبيرة جدا مع الحكومة، فبالتأكيد سيرون أنهم خطر. وهذا النهج هو نفس نهج عبد الناصر والسادات ومبارك، فالرعب الحقيقى لكل الأنظمة هم الديمقراطيون، فالأنظمة لديها استعداد للتحالف مع الإخوان والسلفيين ومع طوب الأرض للقضاء على الديمقراطيين، فالسادات فى السبعينيات استقبل المجاهدين الأفغان، وأتذكر كيف كان يتم جمع التبرعات لهم فى الشوارع، وكيف كان يتم إرسال المصريين لأفغانستان وكان السادات اسمه الرئيس المؤمن، فكل الحالة الغريبة بدأت مع السادات، مثلما بدأت مع عبد الناصر الذى كان يقول «أنا اللى بأضمن للأقباط حقوقهم، أنا اللى بأضمن للمواطن حقوقه»، «طب والمواطن بيعمل إيه». ■ هل كان ذلك السبب فى تحجيم دور المعارضة المدنية؟ - بالطبع حدث ذلك من أيام عبد الناصر، لأنه كان هناك «سم هارى» اسمه الديمقراطية. ■ هل هناك أمل أن يأتى برلمان يعبر عن طموحات الشعب المصرى؟ - «ييجى اللى ييجى»، ولا بد أن يكون هناك برلمان بغض النظر عمن سيأتى، فلو جاء إسلاميون «هاتخانق معاهم»، هل عندنا اختيارات أخرى، «يا ريتهم مايجوش ويغوروا فى 60 داهية، لكن لو ماغاروش هأعمل لهم إيه، هأدبحهم، لا»، والكارثة الحقيقية هى بيان الكنانة، الذى أعلنوا فيه الحرب، وأنه أصبح حلالا قتل الإعلاميين والقضاة ورجال الشرطة، والورقة الأخيرة التى كنا نحاول أن نستخدمها وهى أن هؤلاء مواطنون مصريون ولهم حقوق سقطت، فهم أعلنوا الحرب، وهذه كارثة بالنسبة إلىَّ، «طب أنا مع مين فى الحرب»، «ليه كارثة» لأننى بالتأكيد أنا لست مع الإخوان، لكننى لا أحب أيضا الاستجابة للعنف، وأنا أفهم العنف الذى يمارس فى منطقة معلن فيها حرب، لكن لا أستطيع أن أفهم العنف الذى يمارس على الأهالى، لأن لهم أولادا إخوانا، فلا بد أن أجد طريقة أفهم بها «إنه مش سهل علىَّ إنى أبقى عارف إن أخويا إرهابى ومش راضى عنه بس أسلمهولك»، لا بد أن أجد طريقة أستوعب بها ذلك، أنا أتحدث عن سيناء، فمنذ أيام السادات وحتى مبارك يتم اتباع نفس الأسلوب «هات إخواتهم كلهم بدالهم»، أنا أريد أن أكسب حلفاء، ولا بد أن يكون هناك نهوض بسكان سيناء، وأن تحدث تنمية حقيقية هناك.