كتب - أحمد نبيل هل تخيلت الأرض بلا نفاق؟ في عام 1949 كتب الروائي الكبير يوسف السباعي «أرض النفاق»، وهي رواية تصف التدهور الأخلاقي في المجتمع المصري، وبعد مرور 19 عامًا، قدمها المخرج السينمائي فطين عبد الوهاب بتحويل هذا العمل الأدبي إلى فيلم، بطولة ثنائي كوميديا الستينيات، فؤاد المهندس وشويكار. وجاء دور المخرج إبراهيم الشقنقيري، الذي تمر ذكرى وفاته اليوم، ليحول «أرض النفاق» إلى مسلسل تليفزيوني عام 1975، بمعالجة تلفزيونية وسيناريو وحوار محسن زايد، واشترك في بطولته «فؤاد المهندس، حسن عابدين، صفية العمري، فاروق فلوكس، رجاء الجداوي، بليغ حبشي، سعاد حسين»، وكأنه إثبات ضمني أن الأرض تحيا أبدًا من دون نفاق، أو أنه يتجاور جنبًا إلى جنب الأكسجين والماء. إبراهيم الشقنقيري، حصل علي ليسانس آداب من جامعة جنوب كاليفورنيا، وتخصص سينما عام 1960، وأخرج العديد من الأفلام التليفزيونية، وأفلام الفيديو، وحصل على جائزة مهرجان الإسكندرية الدولي للتليفزيون، عن الفيلم التسجيلي «اللحظة الخالدة» عام 1964، وجائزة الدراما عن فيلم «الكتاب ذو الغلاف الجميل» عام 1965. كما حصل على جائزة الأفلام التسجيلية من مهرجان "لينبرج" عام 1968، وعلى عدة جوائز عن فيلم «أنا لا أكذب ولكني أتجمل»، من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وجائزة أحسن إخراج عن فيلم «استقالة عالمة ذرة». نعود إلى العمل (سواء الروائي أو السينمائي أو الدرامي)، ولا ننسى إهداء يوسف السباعي الذي كتبه على الرواية ونهايتها كذلك، ففي أولى صفحاتها كتب المؤلف الكبير «إلى خير من استحق الإهداء/ إلى أحب الناس إلى نفسى/ وأقربهم إلى قلبى/ إلى يوسف السباعى/ ولو قلت غير هذا/ لكنت شيخ المنافقين/ من أرض النفاق»، كما اختتمها قائلًا: «يا أهل النفاق! تلك هي أرضكم، وذلك هو غرسكم، ما فعلت سوى أن طفت بها وعرضت على سبيل العينة بعض ما بها، فإن رأيتموه قبيحًا مشوهًا، فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم، لوموا الأصل ولا تلوموا المرآة، أيها المنافقون! هذه قصتكم، ومن كان منكم بلا نفاق فليرجمني بحجر». كذلك قال السباعي عن روايته: هذا العمل قصة النفاق والمنافقين وأرض النفاق، قصة قد يكون فيها بعض الشطط وبعض الخيال، ولقد كنت أنوي أن اختمها كما يختم كتاب القصة عادة قصصهم الخيالية على أنها حلم، وعلى أنى فتحت عينى فوجدت نفسى راقدًا على الأريكة في الدار، ولكن يخيل إليَّ أن ما بها من حقائق قد طغى على ما بها من خيال. المسلسل حمل نفس عنوان الرواية والفيلم، ورسم نفس الخطوط السوداء لمجتمع يغرق في الرذيلة والنفاق، البطل هو مسعود أبو السعد، موظف صغير فى مصلحة حكومية، ضعيف ومنقاد يعانى من سوء معاملة مديره عويجة بيه، وزوجته المتسلطة إلهام. «الكل عايز نفاق، الدنيا بقت صعبة"، يقولها العجوز صاحب محل الأخلاق الذى يكتشفه مسعود بالصدفة، بعد أن يسأله عن أكثر ما يُطلب منه، يشترى مسعود حبة شجاعة ويتحول بعد أخذها إلى جرىء وجسور لمدة ثلاثة أيام، ولكن بعد أن يزول مفعول الحبة عن مسعود الغلبان يجد نفسه فى مشاكل جمة. يعود مسعود لمتجر الأخلاق ويشتكى حاله لصاحبه العجوز قائلا: "المدير عايز يرفدنى ومراتى عايزة تطلقنى ولأول مرة فى حياتى دخلت قسم البوليس". ينجح أخيرًا فى اقتناص بعض حبات النفاق، لإصلاح ما أفسدته حالة الشجاعة المفاجئة التى كادت تدمر حياته. وبإكسابه صفة النفاق، ينجح مسعود فى نسج شبكة محكمة من النفاق يساعده فى إبقائها قائمة زوجته إلهام وعشيقته سوسو، بسرعة مهولة يتسلق بطلنا السلم الوظيفى والاجتماعى ومن ترقية إلى الأخرى تتغير حياته حتى يصل إلى عالم السياسة ويرشح نفسه لعضوية البرلمان. لكن فى النهاية تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، ويتناول مسعود من غير قصد حبة صراحة تهدم فى لحظات كل ما بناه. وبخلاف الإسقاط السياسي، يتفنن أصحاب العمل فى رصد الواقع المجتمعى، فيرسم صورة دقيقة للمجتمع التقى الجيد على السطح، المختل والمتعفن من الداخل، فى منتصف الستينيات التى كانت فترة اضطرابات داخل المجتمع المصرى حيث كان فى مرحلة انتقالية بين البرجوازية فى ظل الملكية والاشتراكية، ويظل مشهد الانتخابات في العمل مشهدًا متكررًا حتى يومنا هذا.. هكذا هو العمل العام.. تلك طبيعة المسؤولين.. هذه هي البيروقراطية.. وعلى هذا الحال المجتمع.. فهل تخيلت الأرض يومًا بلا نفاق؟