كتب - أميرة جاد وأمل مجدى «تفكك تحالف ثورة 30 يونيو سببه رغبة أطرافه فى تصفية حسابات بينهم رغم اختلاف الأيديولوجيات».. هذا ما أصر عليه الدكتور زياد بهاء الدين، النائب السابق لرئيس الوزراء، الذى اختفى من المشهد السياسى فجأة عقب تقديم استقالته من الحزب المصرى الديمقراطى. النائب السابق لرئيس الوزراء رأى أنه من الطبيعى أن يتفكك ذلك التحالف، الذى ضم أُناسا لا يتفقون فى رؤاهم، وكل ما جمعهم هو ذلك الظرف التاريخى الاستثنائى فكان الفض منطقيا. فى الجزء الأول من حواره ل«التحرير» صبّ بهاء الدين كل اهتمامه على أسباب تفكك تحالف «30 يونيو»، مبديا اعتراضه على كشف كواليس ما بعد الثورة، ودوره فى حكومة الببلاوى، إلا أنه لم يكف عن توجيه الانتقادات إلى النظام الحاكم والرئيس، الذى رأى أنه توسّع فى إصدار بعض التشريعات، التى ليست محل استعجال. بهاء الدين رفض كذلك تعطيل الدستور بحجة مكافحة الإرهاب، وتطرق فى حواره إلى الحديث عن المصالحة مع الإخوان وشباب الثورتين القابع فى السجون، وحرية الصحافة، وجبهة الإنقاذ والبرادعى.. وغيرها من الكواليس التى لن تقرأها إلا فى هذا الحوار... شباب الصفوف الأولى فى الثورتين يقبع حاليًّا فى السجون.. وهناك تضييق على الإعلام والجمعيات الأهلية ■ بداية.. كيف ترى الجدل الدائر حول مشروع قناة السويس الجديدة؟ - طبيعى أن يكون هناك جدل حول مشروع بهذا الحجم، وأن تتعدد الآراء بشأنه، وبالذات حول آثاره الاقتصادية، خصوصا أن نقص المعلومات المنشورة حوله فتح الباب للمبالغات والاستنتاجات غير المدروسة. والجدل ليس ظاهرة سلبية. ولكن فى كل الأحوال فلا شك أنه مشروع عملاق بمعنى الكلمة، وأن تنفيذه بهذه السرعة والكفاءة وبمثل هذا الحشد المحلى والعالمى، أعطى الشعب المصرى شعورا بالفخر والاعتزاز، وبإمكان تحقيق إنجازات كبرى إذا ما توافرت النية والعزيمة، وهذا شعور إيجابى ويحتاجه المجتمع المصرى لكى يستعيد ثقته فى قدرته على التصدى للتحديات الكبرى، التى تواجه البلد فى مختلف المجالات مثل التعليم، والصحة، وتطوير البنية التحتية. ■ هل لديك تحفظات بشأن المشروع؟ - المشروع يعتبر إنجازا هندسيا هائلا بلا شك، لكن كما ذكرت فإن غياب المعلومات الكافية خصوصا فى الجانب الاقتصادى جعل الجدل حول المشروع سياسيا أكثر منه اقتصاديا، وأعتقد أن إتاحة المزيد من المعلومات مستقبلا حول تكلفة المشروع وعوائده هى أفضل وسيلة لكى يكون هناك حوار جاد حوله. وعلى أى حال الوقت لم يفت، ويجب أن تعمل الحكومة على إتاحة المزيد من المعلومات حول المشروع مستقبلا. ■ كيف تقيم أداء الرئيس السيسى فى العام الأول من حكمه؟ - لا يوجد تقييم موضوعى لأى أداء دون تقدير موضوعى لحجم المخاطر والتحديات التى تتعرض لها الدولة، فنحن أمام أخطار حقيقية، أمنية واقتصادية، والخسائر التى تسببها الأعمال الإرهابية فادحة، على الجانب الاقتصادى هناك حجم عمل هائل وجهد حقيقى يبذل فى كل الملفات، وتقدم ملموس وإيجابى فى قطاع الكهرباء، وتوزيع الخبز والمواد التموينية، وفى برامج الدعم النقدى الجديدة، وفى تطوير شبكة الطرق والكبارى. لكن هناك أيضا ضرورة ملحة لتحديد المسار الاقتصادى بوضوح أكبر. هناك على سبيل المثال حالة من التضارب وغموض الرؤية بشأن النظام الضريبى، وفى تشريعات الاستثمار مما تسبب فى ضياع الكثير من الأثر الإيجابى للمؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ، وهذا يتطلب مزيدا من التحديد للرؤية الاقتصادية للدولة، ومزيدا من الحوار والتشاور مع القوى السياسية والاجتماعية فى البلد. أما على الجانب السياسى، فهناك معادلة صعبة تتمثل فى ضرورة محاربة الإرهاب بكل أشكاله ودون تردد أو ضعف، لكن دون التراجع عن مبادئ الدستور، ومبدأ إعلاء سيادة القانون. وفى هذا السياق لا أرى أن مكافحة الإرهاب تتطلب تعطيل القوانين ولا تجاهل الدستور، بل العكس هو الصحيح، كلما زاد تمسكنا بالدستور والقانون كان المجتمع أكثر تماسكا ووحدة فى معركته ضد الإرهاب والعنف. ■ وهل المبادئ الدستورية مفعلة بشكل صحيح؟ - الدستور، أيا كانت عيوبه وأوجه القصور فيه، هو أساس شرعية الدولة، لكن هناك جهات رسمية عديدة تصرح بأن الوقت غير مناسب لتفعيل الدستور بشكل كامل، وأن إرجاء بعض جوانبه أمر طبيعى فى الظروف التى نعيشها. لكننى شخصيا أتحفظ على هذا الكلام، وذلك ليس تخفيفا من خطورة الإرهاب ولا تقليلا من آثاره، إنما لاعتقادى أن هذا ليس مبررا لإرجاء العمل بالدستور، وأن تمسك المجتمع بدولة القانون هو أبلغ وسيلة لتحقيق النصر على الإرهاب. ■ وماذا عن إصدار الرئيس المئات من القوانين فى ظل غياب البرلمان؟ - الدستور واضح فى هذا الأمر، فهو يمنح الرئيس هذه السلطة الاستثنائية فى ظل غياب مجلس النواب، وذلك فى حالات الضرورة، أو التى لا تحتمل التأجيل، وهذا وضع سليم، لأنه لا بد من ملء الفراغ التشريعى فى كل وقت، ولا توجد دولة فى العالم يمكن أن تمر عليها فترة دون أن تكون لديها جهة أو سلطة تشريعية تقوم بمهمة التشريع. المبدأ إذن ليس محل خلاف. لكن فى التطبيق العملى فإن هناك فعلا توسعا فى إصدار بعض القوانين التى لم تكن محل استعجال، ويوجد بعض المسؤولين الذين يصرحون بأن سبب هذا هو ضرورة الانتهاء من بعض القوانين قبل انعقاد البرلمان، وهذا يخالف روح الدستور. من جهة أخرى فإنه حتى مع وجود سلطة التشريع بيد رئيس الجمهورية وحده فإن الحاجة تظل قائمة لحوار فى المجتمع قبل صدور القوانين. فالرئيس يحل محل البرلمان فى إصدار القوانين، لكن لا مانع من إتاحة مساحة للرأى العام لمناقشة هذه القوانين. ■ وما تقييمك لاستخدام سلطة التشريع فى ما يتعلق بالحريات؟ - أعتقد أن هناك الكثير من التضييق على الحريات المكفولة بالدستور، وعلى سبيل المثال التضييق على الإعلاميين فى قانون مكافحة الإرهاب، والتضييق على الجمعيات الأهلية فى القوانين المنظمة لنشاطها، إضافة إلى أن التعديلات العديدة الخاصة بالإجراءات الجنائية كانت تحتاج إلى مناقشة أوسع. الأهم أن هناك قبولا فى المجتمع لفكرة أن محاربة الإرهاب تتطلب أن يتم تضييق الحريات وتأجيل الدستور، وهذا اتجاه يضعف الدولة ولا يدعمها، لأنه يمنع استمرار الاصطفاف الوطنى الذى نحتاجه ليس فقط لمكافحة الإرهاب، إنما أيضا لمواجهة تحديات اقتصادية وتنموية خطيرة. ■ بوصفك رئيسا سابقا لهيئة الرقابة المالية.. كيف تقيم قانون عزل رؤساء الأجهزة الرقابية؟ - الدستور ينص على أن عزل رؤساء الأجهزة الرقابية الأربعة: البنك المركزى والجهاز المركزى للمحاسبات والرقابة المالية والرقابة الإدارية، يتم وفقًا للقانون، لذلك فصدور قانون لهذا الموضوع فى حد ذاته أمر طبيعى، لأنه من الضرورى أن يتم تنظيم مثل هذه الإجراءات، وليس من الطبيعى أن يكون هناك رئيس جهاز فى الدولة يستحيل عزله، لكن القانون توسع فى العبارات التى تؤدى إلى العزل. ■ كيف تقيم الوضع العام بعد عامين على ثورة 30 يونيو؟ - فى تصورى أن تحالف «30 يونيو» كان ظرفا تاريخيا جمع بين أطراف مختلفة من القوى السياسية، من نظام مبارك، وقوى 25 يناير، والأحزاب التى تحمل أيديولوجيات مختلفة، وحتى جانب من التيار الدينى مثل السلفيين، وفى الوضع الطبيعى لن يستمر تحالف هذه الأطراف المتنافرة سياسيا واقتصاديا. لذا كان فض هذا التحالف وعدم استمراره أمرا منطقيا. لكن ما أضر بالبلد كان عملية تصفية الحسابات التى بدأت سريعا بين أطراف 30 يونيو، وترتب عليها إقصاء القوى الممثلة لثورة يناير، وهذا فى رأيى أضعف من فاعلية الدولة فى مواجهة التيار الدينى، الذى ثار الناس عليه، بجانب رغبة بعض التيارات، التى شعرت أنها الأقوى، فى محاربة التيارات الأضعف، وهو ما نتج عنه أن الشباب الذين كانوا فى الصفوف الأولى للثورتين يقبعون الآن فى السجون أو لا يجدون مساحة مفتوحة للتعبير والمشاركة فى بناء مجتمع جديد. ■ هل كانت هناك آليات مفترض أن تتبعها الدولة فى التعامل مع الصراع السياسى؟ - أهم خطوة جاءت بعد «30 يونيو» هى الدستور، وكان يجب أن نعتمد عليه فى إدارة الخلافات بين التيارات المتناحرة، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية. وأعنى هنا التيارات البعيدة عن العنف، ولا تحمل السلاح فى وجه الدولة. ■ كيف تقيم أداء ممثلى التيارات الثورية داخل حكومة حازم الببلاوى؟ - هذه الحكومة كان لديها اختلافات فكرية، وفى أى دولة فى العالم عندما تشكل حكومة ائتلافية، الوزراء يختلفون، والقضية لم تكن فى وجود الاختلاف، إنما فى إدارة هذا الاختلاف. وليس من الصحيح أنه يجب أن يتبع الجميع رأيا سياسيا وفكريا واحدا، ومن يخالفه يوضع فى خانة الإرهاب. كان من المفترض أن يتم التفريق بين من يسعى إلى إسقاط الدولة أو يدعو للعنف والإرهاب، ومن له رأى مختلف فى قضايا متعددة، لكن على أرضية وطنية، ليس من يكتب مقالة كالذى يحمل مدفعا رشاشا، ومن ينتمى إلى حزب ليبرالى أو يسارى كالذى ينتمى إلى تنظيم سرى، كل هذا كان خطأ فادحا، ومن كانوا فى جبهة 30 يونيو يدفعون ثمنه اليوم. ■ هل يمكن أن تطرح مبادرة للمصالحة حاليا بين الدولة والإخوان؟ - لم أدع أبدا للمصالحة مع أى طرف يحمل السلاح فى وجه الدولة والمواطنين، فمبادرة «حماية المسار الديمقراطى» التى طرحتها فى 18 أغسطس 2013، كانت فكرتها تعتمد على عزل من يحملون السلاح عن المجتمع الواسع السياسى، الذى يقبل بالتحول فى مسار الدولة، ويقبل بالنظام والدستور الجديد. أيا كانت اتجاهاته واختلافاته السياسية. وما زالت الفكرة مطروحة، لأنى أعتقد أن هناك لحظة آتية سيحدث فيها توافق أو اصطفاف وطنى بين كل الأطياف، التى لا تحمل السلاح، وتنبذ العنف، وتلتزم بالدستور، لكن يجب أن تتوقف حالة تخوين وإقصاء من يمثلون معارضة للحكم أو يعبرون عن تحفظ على بعض سياساته طالما أنها على أرضية وطنية، وأنها لا تستخدم العنف. ■ هل تتوقع تخلى الإخوان عن السلاح والعنف خلال الفترة المقبلة؟ - ليست لدى معلومات فى هذا الشأن، لكن ما كان يهمنى عندما أطلقت المبادرة هو ضرورة أن نجد وعاء يضم كل الأطراف التى تقبل بشروط الدولة المدنية، وكان غرضى الأساسى هو الحفاظ على الجماهير الواسعة، والشباب تحديدًا، وعدم دفعهم إلى طريق العنف، وأن يكون الباب مفتوحا دائمًا لمراجعة النفس، والعودة إلى حظيرة الوطن لكل من ينبذ العنف. ■ هل ستخوض الانتحابات البرلمانية المقبلة؟ - أعلنت اعتذارى عن خوض الانتخابات منذ أكثر من سنة، ولم أتراجع عن ذلك. ■ ما الفارق بين برلمانى 2012 و2015، فى ظل اعتبارهما أول برلمانين بعد ثورتين؟ - برلمان 2012 جاء سريعا نسبيا، لكن البرلمان المقبل لم يفتح باب ترشحه بعد رغم مرور عامين على الثورة، وهذا فرق كبير، لأن فى أعقاب الثورات يكون الشعب أكثر حماسا للعمل السياسى، والمساهمة فى تغيير المستقبل. ومجلس الشعب السابق كان واضح المعالم، فكان المتوقع هو التنافس بين الأحزاب الدينية والأحزاب المدنية، وكان هذا دافعا قويا شجع المواطنين على المشاركة، ليعبروا عن رأيهم فى تلك التيارات. أما البرلمان المقبل فيأتى بعد أن فقد الناس الاهتمام بالعمل الحزبى، وفى ظل قانون معيب، فلا أتوقع ذات الحماس للانتخابات مثل المرة الماضية. ■ كيف ترى تأخر إصدار قوانين الانتخابات حتى الآن؟ - تأخر القوانين أمر مبالغ فيه، وبلا مبرر، وعدم دستورية قانون الانتخابات لا يعد مبررا، بل يدعو للاستياء أكثر، لأنه من غير الممكن أن تكون مصر البلد الوحيدة فى العالم التى لا تستطيع إعداد قوانين للانتخابات، وتشكيل برلمان، أيضا من غير المفهوم التمسك بالنظام الانتخابى الحالى للقائمة المطلقة. ومع ذلك ورغم تحفظى على نظام الانتخاب بالقائمة، وعلى التأخير غير المبرر لإجرائها، فأرجو إجراء الانتخابات فى أقرب فرصة ممكنة، لأن بالتأكيد وجود برلمان حتى لو ليست له فاعلية كبيرة أفضل من عدم وجود برلمان. ■ كيف ترى تعامل الرئيس مع الأحزاب؟ وما رأيك فى دعوات القائمة الموحدة؟ - قانون الأحزاب قائم، ولم يتأثر بالتغيرات التى طرأت على بعض القوانين، وما زال النشاط الحزبى مفتوحا وقانونيا وغير مقيد، لكن الواضح أن الأحزاب لا يتم اعتبارها طرفا أساسيا فى الحراك السياسى، ودائمًا الرد هو أن الأحزاب ضعيفة، وهذا حقيقى لكن لا يعنى أن نرفض فكرة الأحزاب. نحن فى ظرف خاص أضعف الحياة الحزبية، والدولة عليها أن تسهم فى بناء الأحزاب وتشجع العمل السياسى، لأنه يصب فى صالح الوطن، والتقليل من شأن الحياة الحزبية فيه ضرر كبير للبلد على المدى الطويل. ولقاء الرئيس بالأحزاب أمر جيد وضرورى للغاية، ويجب تكراره، لكن فى مواضيع مختلفة غير المواضيع السياسية فقط، فيجب دعوة الأحزاب مثلا قبل اتخاذ القرارات الاقتصادية الكبرى التى تتخذها الدولة، وبالمناسبة فإن الأحزاب التى ترفض هذه اللقاءات ترتكب خطأ، لأن الحوار ضرورى بين الأطراف المختلفة، وعلينا أن نطالب بالمزيد منه، أما عن القائمة الموحدة، فأنا ضدها تمامًا، لأن الانتخابات فى الأصل هى تنافس بين الأحزاب. ■ هل قررت الترشح لمنصب رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى كما هو متداول إعلاميا؟ - ما زال الوقت مبكرا لحسم مثل هذه الأمور، فالانتخابات ستجرى فى شهر أكتوبر المقبل، والحوار دائر حول قيادة الحزب مستقبلا، خصوصا أننا مقبلون على انتخابات برلمانية قريبة. ■ بعد استقالتك من منصب نائب رئيس الوزراء.. هل عرض عليك أى منصب فى الدولة؟ - لم تعرض علىّ مناصب جديدة، لكنى أعتبر أن وجودى فى البلد منذ استقالتى ومشاركتى فى الحوار الدائر سواء بالحديث أو الكتابة هو نوع من المشاركة فى صنع مستقبل البلد، وهذا واجب على كل من له رأى أو موقف أو اقتراح حتى لو لم يكن على هوى الدولة.