كان الخديو إسماعيل يحب الإمبراطورة أوجينى زوجة نابليون الثالث إمبراطور فرنسا، وجاء حفل افتتاح قناة السويس فى نوفمبر 1869 فرصة ليتقرب إليها أكثر. عمل إسماعيل كل ما فى وسعه ليكون الحفل أسطوريا يليق بحبيبته الإمبراطورة حتى إنها قالت «يا إلهى لم أرَ فى حياتى أجمل من هذا» وكتبت إلى زوجها الإمبراطور تقول: «لقد خلعت القاهرة رداءها العتيق وبدت فى أجمل حللها، وحفلات الرقص والموسيقى خير شاهد على ذلك». بينما قال أحد الحضور واصفا الخديو: ما أعظمه من أمير دعا آلاف الأشخاص يأكلون ويشربون ويتنزهون على حسابه.. هذا كرم لا مثيل له. وكان إسماعيل قد أحضر 500 طاهٍ من فرنساوإيطاليا وتكلف الاحتفال 1,4مليون جنيه وهو مبلغ ضخم جدا فى ذلك الوقت. وعندما شكا أحد الوزراء إسراف الخديو قائلا: إننا نأكل أحجار الأهرام حجرا حجرا.. رد عليه أحد المدعوين: لا تهتم سنقرضكم المال اللازم لتشتروا منا الأسمنت لإعادة بنائها. والخديو إسماعيل هو ابن إبراهيم باشا الابن الأكبر لمحمد على وقائد جيوشه، وقد تولى الحكم خلفا لعمه سعيد باشا عام 1863. والمفارقة التاريخية أن المسؤول عن حبه للإسراف والتبذير هو الجد الصارم محمد على، الذى قام على غير عادته بتدليل حفيده عقب وفاة والده إبراهيم باشا، حتى أصبح إسماعيل يبحث عن الترفيه والترف، وعاش حياته كفارس من فرسان العصور الوسطى، الذين لم يكونوا فرسان حرب، بل فرسان استعراضات، على الواحد منهم أن يحب امرأة ذات أهمية خاصة ويتفانى فى حبها. ويجب أن لا تكون زوجته أو إحدى جواريه، وأن يكون لها اعتبارها ووضعها، وبعيدة المنال عليه، بحيث لا يستطيع أن يخضعها لسلطانه أو يتحكم فى مصيرها، وتكون قادرة على الصد والمنح حسب هواها، وعلى الفارس أن يقدم ما عنده من عطايا وأن يجثو عند قدميها ولا مانع من إنزال الدمع أمامها، فتمسحه بمنديلها الذى يعد وقوعه فى يده دليلا على رضاها واستسلامها له. هكذا كانت أوجينى بالنسبة للخديو إسماعيل. لذلك قام كفارس بعمل كل شىء ليرضى حبيبته خلال زيارتها لمصر، حيث أمر بتمهيد طريق الهرم لسير المركبات واستطاعت أوجينى واستطاع الملوك والأمراء أن يذهبوا لأول مرة إلى أهرام الجيزة وهم يركبون العربات التى تجرها الخيول، وعمل دار الأوبرا لتتفرج فيها الإمبراطورة، وكلف ملحنا إيطاليا بتلحين أوبرا عايدة. كما بنى لها سراى الجزيرة على غرار قصر الحمراء بغرناطة لتقيم فيه فى أثناء الزيارة فهى كانت فى الأصل إسبانية. وعندما اشتاقت إلى زهور الكرز التى أحبتها فى إسبانيا، أمر بغرس شجيرات منها تحت غرفة نومها. وحين أبدت رغبتها فى أن تطوف القاهرة على ظهر حمار رافقها الخديو فى هذا الطواف. وعندما تمنت حضور عرس مصرى، صاح الخديو يا لها من مصادفة سعيدة يا صاحبة الجلالة.. يقام الليلة بالتحديد عرس فى هذا القصر. ثم استدعى أحد موظفيه وقال له: ستتزوج هذا المساء. كل شىء كان رهن إشارة إمبراطورة فرنسا، حبيبة الخديو، فماذا لو أحب أى حاكم مصرى بلده مثلما أحب الخديو الإمبراطورة أوجينى؟ بالتأكيد ستتحول مصر إلى جنة، تختفى منها القمامة والعشوائيات والفوضى والتلوث، كما أنه سيقضى على ثالوث التخلف، الفقر والجهل والمرض، لأنه لا يرضى ذلك فى حبيبته. كما لا يقبل أن تكون ضعيفة، بالتالى سوف يعمل أن تصير قوية ورائدة فى العلم والتقدم، وهو ما يعنى التخلص من الخرافة التى تسيطر على عقلها، كما سيحارب الفساد والفاسدين الذين ينهكون جسدها وروحها، حتى يسود العدل وترتقى إلى المكانة التى تستحق. فيا رب ونحن على أبواب الاحتفالات بافتتاح قناة السويس الجديدة.. ارزق مصر حاكما يحبها كما أحب الخديو الإمبراطورة أوجينى.. وفقط.