إذا كانوا يستلهمون تعاليم الدين الحنيف ويسيرون على نهجه، فلماذا لا يقفون ضد الشر ويحمون المواطنين من تجاوزات ضباط آخرين؟ هل يستقيم أن يتألم الضابط لسجن امرأة مسكينة بسبب الفقر ولا يتألم لتعذيب إنسان فى قسم شرطة أو داخل أحد السجون؟ كانت مبادرة رائعة ما قام به عدد من ضباط الشرطة بجمع أموال زكاتهم ودفع ديون الغارمات من أجل الإفراج عنهن قبل العيد، هذا الاتجاه المحمود يكشف عن نفوس طيبة تتفاعل مع آلام الفقراء والمساكين، وتتعاطف مع الغلابة، وتتألم بسبب أوجاعهم، وتبحث عن حل لمشكلاتهم، ولعل هذا ما يدفعنى إلى التساؤل، هؤلاء الضباط الذين يفعلون الخير ويحثون زملاءهم على الاقتداء بهم هل يمكن أن يكملوا الطريق ويصححوا أخطاء زملائهم؟ لقد سجنت هؤلاء الغارمات بسبب قسوة قلوب أشخاص -لا علاقة لهم بالشرطة- كان المال القليل أهم لديهم من حرية امرأة فقيرة تعول أسرة، ولم يهتموا بعذاب أطفال حرموا من أمهاتهم رغم أنهم غالبا لن يحصلوا على أموالهم بعد سجن الغارمة، هذه القسوة جعلت هؤلاء الضباط يتعاطفون مع السجينات الغارمات ويجدون لهن حلا من خلال التضحية بأموالهم، ولكن هل ترق قلوب هؤلاء الضباط -مثلما رقت للغارمات- على من تم تعذيبهم والاعتداء على إنسانيتهم وإهدار كرامتهم على يد زملاء لهم، ألا يمكن أن يتدخلوا من أجل وقف التعذيب الذى لا يرضاه الله ويرفضه الإسلام وتأباه الإنسانية وتحرمه القوانين ويجرمه الدستور، لقد حث الإسلام على تغيير المنكر باليد أو اللسان أو بالقلب، وهذا أضعف الإيمان، فى مقدرة هؤلاء الضباط القيام بحملة مماثلة لحملة الإفراج عن الغارمات، تخصص لوقف التعذيب فى أقسام الشرطة والسجون، وإذا كانوا مسحوا بتصرفهم النبيل دموع الفقيرات الذى تسبب فيها تجار لا رحمة فى قلوبهم فمن باب أولى مد يد العون إلى من تم تعذيبهم على يد زملائهم، لماذا لا يزورون من ثبت تعذيبهم فى التحقيقات وبأحكام قضائية معتذرين لهم عما حدث لهم؟ هذا التصرف يفتح بابا جديدا لعلاقة جيدة بين هؤلاء الذين فى أنفسهم غصة بسبب ما عانوه وبين الشرطة؟ فى إمكان هؤلاء الضباط أيضا توعية زملائهم بعدم قانونية التعذيب وأنه ضد الدين، وفى مقدرتهم تقديم بلاغات ضد التعذيب عندما يتأكدون من وقوع الجريمة ومعرفة الجانى، وعليهم أن يتذكروا أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأن من يدلس على جريمة ويتوانى عن تقديم ما يعرفه من معلومات عنها إلى جهات التحقيق فهو شريك فيها، أعرف أن مثل هذه المواقف قد تجعل الوزارة تغضب منهم، وقد تعاقبهم، رغم أنها نفس الوزارة التى احتفت بهم ودعمت مبادرتهم من أجل الغارمات، وأتفهم أن الوزارة فرحت بهذا التوجه الكريم، لأنه يسهم فى تجميل صورتها ويقرب بينها وبين المواطن، ولكن الاعتذار لمن تم تعذيبهم ووقوف ضباط التعذيب يحسن الصورة بشكل أقوى ويبنى علاقة بين المواطنين والشرطة على أساس جديد وسليم، الدين لا يتجزأ، ولا يجوز أن أصلى وأسرق، ومن غير المعقول أن أقوم بكل فرائض الدين من صلاة وصيام وزكاة وحج ثم أغمض عينى عن الجرائم التى ترتكب أمامى، هذه شيزوفرنيا غير مقبولة أتمنى أن ينجو منها الضباط الأخيار وأن يكملوا طريقهم الذى بدؤوه ولا يتراجعون عنه، وأن يتبنوا شعار مكملين من أجل علاقة سوية بين المواطن والضابط.