حديث معظم الشعب والإعلام خلال الأيام الأخيرة كان عن المسلسلات التليفزيونية. لقد عرض فى رمضان بالفعل عدة مسلسلات متميزة على رأسها «تحت السيطرة». تناول مسلسل «تحت السيطرة» من خلال أحداثه عدة قضايا مهمة مثل الإدمان، التفكك الأسرى، نظرة المجتمع السطحية للمتعافين، حضانة الأطفال، التى كانت قضية فرعية فى المسلسل، وإن كنت أرغب فى أن أركز عليها فى هذا المقال. حضانة الطفلة «فريدة» كانت موضع نزاع بين الأبوين فى المسلسل، فقد انفصل الوالدان، وثار النزاع بينهما حول حق الحضانة. مَن أحق؟ أمٌّ تحبها وترعاها ولكنها كانت مدمنة وتعافت، أَم أبٌ يحبها ولكن لا يستطيع رعايتها كما ينبغى. فالطفلة ما زالت لم تتجاوز سن السنوات الثلاث، ومع ذلك تم انتزاعها بعنف من أمها دون أى خطأ ملموس من الأم تجاه الابنة فى القصة، فمجرد أن الأم كانت مدمنة منذ فترة بعيدة وأقلعت وتعافت تم الحكم للأب بحضانة الطفلة. لا أعلم إذا كان قانون الأحوال الشخصية يغطى مثل هذه الحالة أم لا، لكن فكرة سرقة طفلة من الأم بالقصد أولا، ثم انتزاعها بقوة القانون ثانيا، تثير الأسئلة حول حقوق الطفل. أليس من حق الطفل أن ينشأ تنشئة سوية متوازنة بين أبوين؟ حتى لو تم الطلاق بين الأبوين فهذا لا يجب أن يعنى ضياع حقوق الطفل ما بين أبوين، كل منهما يكره الآخر فى كثير من الأحيان، ويبث هذه الكراهية لنفس الابن دون أن يدرك أنه يدمر نفسية الطفل. الواضح أن القانون المصرى ما زال متحيزا بشدة ضد الطفل ويتعامل معه كشىء لا مشاعر أو متطلبات نفسية وعاطفية لديه. وما زال المجتمع والأسرة يتعاملان مع الطفل دون أى وعى وإدراك لنفسيته وتأثير التربية والانفصال على أخلاقه وتصرفاته فى المستقبل. ففى حالة طلاق الأبوين تنتقل حضانة الطفل إلى الأم -ما دام أنها لم تتزوج- ويصبح حق زيارة الأب للطفل قاصرا على ساعتين أسبوعيا يتم فى مكان عام مثل النادى أو مقر عام يتفق عليه. لقاء قصير مصطنع لا يحقق الود المطلوب بينهما. ولا يجوز للأب أن يأخذ الطفل ليقيم لديه ليلة أو اثنتين فى الأسبوع. وهذا الوضع يعنى أن الأم وحدها تصبح المسؤولة الأساسية عن عملية تربية الطفل دون دور يذكر للأب، سواء كان هو يرضى بذلك أو يرفضه. أما لو تزوجت الأم فينتقل الطفل إلى الجدة ناحية الأم أو الخالة أو الجدة ناحية الأب... وتدريجيا يتلاشى دور الأم والأب، ويتربى الطفل دون توجيه يُذكر من أبويه... وكثيرا ما يكون الشارع أو الأصدقاء هم أساس تربية أو عدم تربية الطفل. وفى حالة وفاة الأب أو الأبوين، ومع وجود ميراث للطفل، يأتى دور المجلس الحسبى الذى تحكمه أيضا قواعد جامدة تكاد تصل إلى إذلال الأم أو الراعى للطفل فى حالات كثيرة كحالة الاحتياج إلى مزيد من الأموال، لإعطاء الطفل دورس خصوصية على سبيل المثال لا الحصر. وحتى فى حالة نشأة الطفل فى أسرة طبيعية، حين يكون الأهل غير مطلقين... فكثيرا ما يكون تلقين الطفل أخلاقيات غير مقبولة مثل الكذب، والغش فى الامتحان، وعدم النظافة أو النظام بالمنزل والشارع والمدرسة نمطا شائعا، ويكون العنف المنزلى تجاه الطفل أو الأم أمرا يكاد يكون متكررا. ما النتاج الطبيعى لهذا الإهمال؟ شاب جامح، لم يُوجّه بأسلوب صحيح، لم يتعلم، لا يدرك دوره فى المجتمع ولا أهمية المجتمع له، لا يحترم الأب أو الأم، ولا يحترم أى شخص أكبر أو أصغر منه، ولا يستطيع أن يكوّن أسرة متماسكة. قوانين الأحوال الشخصية خصوصا فى ما يتعلق بتربية وحضانة الطفل لا بد أن تُراجع بصورة جذرية. حق حضانة الطفل يجب أن يسمح للأب بأن يلعب دورا أكبر فى تنشئة ابنه أو ابنته. كما يجب أن يستمر للأم دور مهم فى تربية الأبناء، حتى لو تزوجت، ما دامت ظروفها تسمح بالعناية به. فالأبوان هما الأهم فى تربية الأطفال. ولكن الأبوين يمكن أيضا أن يخطئا لذلك يجب أن تتبنى الدولة فكرة إنشاء مكاتب للرعاية النفسية للأطفال الذين يتعرضون للإهمال أو للعنف المنزلى. فالطفل ليس شيئا يملكه الأب أو الأم لهما الحق أن يفعلا به ما يشاءان، لكنه إنسان يحتاج إلى رعاية واهتمام، والدولة مسؤولة عن ضمان تحقق التنشئة السوية للأطفال.