هى أم كل مهاجر أرهبوه وطاردوه فرحل حزينا هاربا من وطنه.. وطن يطارد الحياة والأمل.. وطن يغطى المرأة المصرية بالسواد صورة قبلة الفريق السيسى على رأس أم شهيد فى الاحتفال بيوم الشهيد، جددت فى نفسى ثورة غضب ظننت أن الاكتئاب العامّ وأدها.. رغم أن هذه القبلات الوفية تجدد مشاعر الفخر والوطنية، فى ذكرى استشهاد الفريق عبد المنعم رياض، وشهداء النكسة والنصر فى قرن الأمجاد الماضى.. بأبناء اختاروا الموت ليعيش الوطن آمنًا.. كلمة أم الشهيد استفزَّتنى وأضاءت أوجاعى.. فالمصريون اليوم ليسوا شهداء دفاع عن الوطن ضد أطماع أجنبية.. وإنما يُذبَحون جسديًّا ومعنويًّا بيد مصريين مساكين، باعوا أنفسهم لشيطان أعماهم بأوهام تمنحهم صكوك جهنم مكافأة براعة حصد الأرواح وتدمير مصر.. أم الشهيد فى وطنى اليوم هى كل امرأة وكل فتاة مصرية جدعة.. أم الشهيد اليوم لا تفتخر ولا تزهو ولا تتعزى لأنها منحت ابنها فداءً للوطن.. أم الشهيد الآن هى أم مكلومة، لن تجفّ دموعها أبدا على أى مصرى ممن قُتلوا أو سُحلوا أو انتُهكت أعراضهم بيد مصريين.. اليوم كل أم مصرية هى أم كل شهيد فقؤوا عينيه أو مزّقوا جسده.. أو أنشبوا مخالبهم فى نفسه بالإقصاء أوالسب أو التكفير.. هى أم كل مهاجر أرهبوه وطاردوه، فرحل حزينا هاربا من وطنه، واختار ضياع الغربة بديلا من الخوف داخل بيته وسط عائلته. أقول للقتلة: الويل لكم من انتقام الله العادل الجبار.. لأن كل أم مصرية بقلبها حزن عميق لا يطفئ لهيبَه لقب «أم الشهيد».. حزن لا يقبل أوسمة ولا احتفالات.. حزن ينفر من التعويضات.. حزن لن يهدأ إلا بالقصاص، لأن القاتل يعيش فى نفس البيت، ويعشِّش بوقاحة فى أشجار لم يزرعها.. ويستمتع بفجور عجيب، ولا يشبع من الدماء بل تتضاعف شهيته وشهواته.. فيتسلق المنابر والفضائيات ويشترى الجهلة والضعفاء والعجزة وفاقدى الضمير.. يحشد جنوده للقتل، يسلحهم بالكذب بدلا من الحق، ويمنحهم صكوك غفران باسم الله.. القاتل فاجر، يضحِّى بهم ويجنى هو الغنائم لذاته، والغنائم هى كل وضيع من ملذات الدنيا الذائلة.
قلب أم شهيد ثورة يناير 2011 ينزف، ولن تجف منابع حزنه إلا بالقصاص.. وأتصور يوما سيأتى قريبا، تخرج فيه كل أمهات الشهداء بالهتاف المدوى المرعب لينتقمن بأيديهن لأبنائهن.. كل أم مصرية اليوم هى أم شهداء قُتلوا، أو شهداء أحياء بنفوس حزينة.. لقب «شهيد» فى عهد الإخوان الحزين لم يعُد نيشانًا ولا تاجًا مرصَّعًا بالفخر.. إنما هو دليل إدانة نظام حكم يدمِّر الوطن ويجرفه من زهوره، أنبغ أولاده وضمان مستقبله.. لقب «أم الشهيد» أصبح شاهدًا على جرائمهم.. كلمة «شهيد» فى عهد الإخوان لم تعُد شرفا للأم بل خنجرا فى قلبها.. خنجرا لن تنزعه لتنزف حتى الموت، لكنها ستنتقم للشهيد به.. ستغمده فى قلوب القتلة فى يوم قريب تخرج فيه كل الأمهات بالخناجر المغروسة فى القلوب.. كل منهن هى الأم شجاعة التى ستأخذ تار ضناها.. كل أم من عشرات آلاف الأمهات اللاتى ودعن أولادهن وبناتهن فى المطار بفرح حزين، هى قنبلة ستفجر القتلة أشلاءً، وتستعيد للوطن أولاده.. أى دين يأمر بقتل معارضيه، وإقصاء أولاده داخل وطنهم، وتشريدهم فى بلاد غريبة ومناخ لا يعرفهم؟ أى دين يشترى الإيمان بالزيت والسكر والمال والإرهاب؟ كل أم شجعت أولادها على الهروب من وطن سرق طعامهم ونهب أحلامهم هى أم شهيد.. وكل أم يشرب أطفالها مياه المجارى من حنفية البيت، ويغتسلون بها فى العشوائيات المقطوعة الكهرباء ليلا هى أم شهيد.. وكل أم تدفع فاتورة هذه المياه المختلطة بالمجارى للحكومة لتسليح ميليشيات قناصة عيون وأحلام أولادنا، هى أم شهيد.. هرّبنا أبناءنا بدموعنا التى ستحرقكم، من وطن ارتدى حكامه جلاليب بيضاء لا تغطى عوراتهم ولا يستحيون.. وطن يطارد الحياة والأمل.. وطن يغطى المرأة المصرية بالسواد، ويكممها، ويكفِّر أولادها ويأمرهم بمقاطعتها ثم قتلها لأنها متبرجة غير مغلفة بسواد العقل والبدن.. فالأم فى عرفهم هى وعاء إنجاب ووسيلة متعة جنسية فقط.. وطن يزرع الخوف والخنوع فى المدارس بمعلمين مرتوين شرًّا وتخلُّفًا وجنونًا من منابع صحراوية.. معلمين فى غيبوبة تاريخية يسحبون الحياة إلى الخلف قرونًا بحبال وسياط التكفير المهترئة.. يجاهدون لتغييب العقول بالتعصب الدينى وتدريبها على الإقصاء والعنف وقتل المُعارِض.. وطن ينتج أمهات شهداء فقط.
خافوا من دموعنا نحن أمهات الشهداء القتلى والمصابين والمهاجرين.. الذين نشيِّعهم يوميًّا ولم تعد بلاد المهجر تَسَعُهُم.. الشباب المسلم اليائس أجبرتموه على التنصر وإنكار دينه بحثا عن وطن آمن يعوله، وطن لا يتربص به فيه جاره أو زميله أو رئيسه فى العمل لسحقه.. دموعنا نحن أمهات الشهداء هى أنهار مياه حارقة ستقتحم جحوركم، تُغرِقُكم، وتجرفكم وتذريكم.. آمين.