روجت دوائر غربية بخبث لمشروع الإسلام التركى، لأنه يتماهى فى مضمونه مع أطروحات برنارد لويس عن كيفية تفكيك خطر الأصولية الجهادية. فالنموذج الأردوغانى خالى الدسم يمزج بحرفية بين الشكل الفلكورى وجوهر القيم الغربية ويصهرهما فى بوتقة واحدة، فلا مانع من أن ترفع فتيات محجبات أعلام الشواذ فى ساحات عاصمة الخلافة ابتهاجا بسماح المحكمة الدستورية الأمريكية لهن بالزواج!. فبعد أن حقق طفرة اقتصادية هائلة وأحدث تحولا ديمقراطيا ناعما لا سيما بعد إقصاء أبيض لدور المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية وتمدد إقليمى مدروس منفتح على جيرانه ارتكز على نظرية داوود أوغلو «صفر مشاكل»، ثم شجع سياسة الأبواب المفتوحة لجذب المزيد من عملاء المستقبل على متن رحلات سياحية زهيدة الثمن، وأغرق أسواق المنطقة بمنتجات الأناضول المتواضعة، بالإضافة إلى استغلاله شعور الهزيمة الحضارية والفراغ الوجدانى لعالم عربى يتيم لديه قابلية مثيرة للاستعمار الثقافى، فجذبهم إلى شرك حنين الصورة الأسطورية لحريم السلطان وبريق الحداثة التى تلمع فى عيون مهند الوسيم، فاكتسب ببراعة محبة شعوب ما زالت تحت سن الرشد، فصارت فريسة سهلة لعمليات غسيل مخ مبرمجة على قناة «الجزيرة» جعلت منه فارس أحلام الشعوب المظلومة، فاستقبل فى مطار القاهرة استقبال الفاتحين بعد ثورة يناير. ومع ذلك لم تتخل عنه الحكمة فنصح الجماعة بالتريث وتأجيل أضغاث أحلام خلافة البنا، ولكن كما يعلم المشتاقون أن للإخوان سحرا فاستطاعوا فى أيام معدودة أن يقنعوه بأنه هو الخليفة المنتظر، هنالك ظهرت على الرجل كل أعراض البارانويا أو جنون العظمة، فبنى لنفسه قصرا فخيما أحاطه بجنود يرتدون ملابس فرسان القرون الوسطى، ثم خطط لتغيير الدستور وتغيير النظام البرلمانى إلى رئاسى، حتى يشيخ مثل أى ديكتاتور عربى على كرسى العرش، ومن أجل هذا السراب ورّط بلاده فى مستنقع سوريا. بعد أن تعاون مع «داعش» بشكل مخزٍ وسرى لتفضحه فى ما بعد مسرحية تحرير الدبلوماسيين الرهائن فى الموصل ورخص لقنوات فضائية محرضة على العنف، وأنشأ مراكز لتدريب الإرهابيين من كل أصقاع الأرض وآوى العديد من المعارضين الخطرين للنظم العربية، خصوصا مصر التى يكن لجيشها كراهية شديدة، لأنه حال بينه وبين ما يريد، فمصر هى المنافس الوحيد لتركيا فى زعامة الإسلام السنى منذ أن قاوم طومان باى أطماعهم فى الرايدانية، فكان جزاؤه الشنق على باب زويلة، وكادت طموحات محمد على تتجاوز تخوم الأستانة لولا تآمر الدول الكبرى بإبرام معاهدة «لندرة» التى أنقذت الباب العالى. أخيرًا لسان حال الرئيس السابق عبد الله جول بعد اتهام أردوغان له بالجبن والخيانة. أمان يا ربى.. اتنين أردوغان.