طوفان الأقصى حدث تاريخي جلل بدأ في 7 أكتوبر 2023 وما زال مستمرا ولم ينته ، ويبدو إنه لن ينتهي قريبا ، وما زالت تداعياته ودروسه المستفادة مستمرة ، وترتب على ذلك من متغيرات عميقة وأوضاع جديدة لم يألفها المجتمع الدولي من قبل . ونحن نحلل ونراقب ونتابع هذه الأحداث والمتغيرات والوقائع الجديدة التي تظهر لأول مرة ، بعضها جديد تماما وبعضها كان مختفيا من عشرات السنوات ، ثم عاد للظهور مرة أخرى بقوة ولعل من أبرز هذه الظواهر ظاهرة الحراك الطلابي الشبابي العالمي الذي شمل العديد من الجامعات في مختلف قارات العالم في حدث جلل . هذا الحدث الجلل من النادر أن يحدث ، فلم نشهد من قبل ثورة طلابية عالمية بهذا الشكل والاتساع عبر قارات الدنيا ، شاهدنا في عام 1968 مظاهرات الطلبة الشهيرة في فرنسا للتنديد بالحرب الأمريكية على فيتنام ، والتي استغرقت نحو ثلاثة أشهر . شاهدنا من قبل مظاهرات طاحنة استمرت نحو قرابة 3 أعوام في الجامعات الأمريكية والأوروبية ضد الحرب الأمريكية الوحشية في فيتنام وهي المظاهرات والاضطرابات الطلابية الشبابية والتي لم نر لها مثيلا من قبل في ذلك الوقت ولم تتوقف إلا في إعلان الانسحاب الأمريكي من فيتنام . ومنذ هذه الفترة الذهبية التي كانت في أواخر ستينيات وبدايات سبعينيات القرن الماضي لم نشهد حركة طلابية عالمية أو شبه عالمية في أي مكان في العالم وإزاء أي قضية أيا كانت . أما الجديد والمتغير الذي رصده جميع خبراء ومراقبو العالم السياسيين ، هو ظاهرة المظاهرات الطلابية العالمية التي عادت مرة أخرى وبقوة غير مسبوقة ، وفاقت المظاهرات الطلابية العالمية التي كانت ضد الحرب الأمريكية في فيتنام لأن هذه النوعية من المظاهرات مختلفة وبحق عن كل ما سبقها من مظاهرات أخرى . فمظاهرات الاحتجاج على حرب أمريكالفيتنام كانت مقتصرة على الجامعات الأمريكية وبعض الجامعات الغربية في بعض البلدان الأوروبية . فلم تحدث هذه الظاهرة العالمية من قبل ، وربما أعتقد إنها قد لا تحدث مرة أخرى بهذا الشكل والاتساع ، لأننا إزاء حرب إبادة وتجويع وتدمير وقتل جماعي، تشنها إسرائيل على قطاع غزة وأهله وسكانه. نرى انتفاضة شعبية طلابية شبابية عالمية واسعة النطاق غير مسبوقة ، ولم تحدث من قبل وبحق ، شملت جامعات أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية . إنه بالفعل حدث جلل سوف يتوقف عنده التاريخ ومؤرخوه كثيرا وسوف يتم تناوله من زوايا متعددة . هذه الظاهرة برغم إيجابياتها الواضحة وانطلاقاتها وطاقاتها الكامنة التي تفجرت ، إلا أنها أيضا جديدة على الفكر السياسي العالمي ، وهي ربما تكون إحدى الثمار أن العالم بالفعل قد تحول إلى قرية واحدة وأن ثورة المعلومات والاتصالات ، قد جمعت وقربت كثيرا بين أطياف البشر . ولم يعد من الصعوبة على أي جريمة تحدث في أي بقعة في العالم ، أن تنتشر وتُعرف في جميع أجزاء الكرة الأرضية وبسرعة خارقة ، وأن يتم الكشف عن مجرميها وتقديمهم إلى العدالة . ما يحدث أمر جديد لأنه يعنى أن الشعوب ما زال بداخلها قلبا ينبض ، وضمير حي يتألم ، وطهارة سياسية لم تتلوث بمؤامرات ومناورات النخب السياسية المختلفة أصحاب المصالح المتداخلة ، وهي ظاهرة فى معظم بلدان العالم . مظاهرات تُكشف على أن المستقبل قد يكون مشرقا ، وقد يحمل بعض ملامح التغيير الإيجابي عما يحدث في عالمنا المتوحش هذا . مظاهرات تكشف أيضا عن أنه مهما كانت قوة ومكانة النفوذ واللوبي الصهيوني في أمريكا وفي الغرب ، إلا أنه إزاء الغضبات الشعبية الحقيقية والصادقة ، يكون هشا وهزيلا . العالم يتغير والخريطه تتغير وعالم جديد يبدو أمامنا أنه يتبلور من جديد تماما ، ويبدو أيضا أن هناك قيم تقترب طال غيابها وأمور تبتعد طال بقاءها ، وتسببت في فساد وانهيار أخلاقي غير مسبوق ، أمور كثيرة تحدث بالتأكيد . نحن في مرحلة مخاض تاريخي ، والفضل أولا وأخيرا لشهداء ودماء طوفان الأقصى . [email protected]