إدراج 51 جامعة مصرية بتصنيف "التايمز" 2025 للأكثر تأثيرًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة    فتح باب التقديم للالتحاق بمدرسة مياه الشرب والصرف الصحي بالمنوفية 2025    رئيس الرقابة النووية: مفاعل ديمونة لا يشكل خطرًا.. والضبعة من الأكثر أمانًا عالميًا    أسعار العملات الرقمية اليوم.. ارتفاع طفيف في بيتكوين وتراجع بسولانا وكاردانو    محافظ السويس يؤكد أهمية التحلي بالصدق والشفافية في نقل المعلومات إلى متخذي القرار    جولة ميدانية لنائب محافظ الجيزة بمركز البدرشين.. صور    الأمين العام للاونكتاد: الاستثمار الأجنبي المباشر عالميا تراجع للعام الثاني على التوالي نتيجة للتوترات الجوسياسية    مصادر طبية فلسطينية: 72 شهيدا بنيران الاحتلال في قطاع غزة منذ فجر اليوم    إسرائيل تقر باستمرار قدرة إيران على إطلاق الصواريخ    الأمن يضبط المتهمين بالتعدي بالضرب على طالب في القاهرة    محمد رمضان يغادر المحكمة بعد التصالح في واقعة تعدى نجله على طفل    السجن المشدد 15 عاما لعاطل يروج المخدرات في الإسكندرية: 500 طربة حشيش في حقيبتين    القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يستعد لدورته ال32    في آخر 24 ساعة.. تعرف على إيرادات فيلم "المشروع x" ل كريم عبدالعزيز    غدا قصور الثقافة تطلق قافلة ببرج العرب لدعم الموهوبين    أفضل طرق خسارة الوزن بدون حرمان    مجموعة الأهلي.. لعنة أتالانتا تطارد إنتر ميامي ضد بورتو في مونديال الأندية    الأهلي وبالميراس.. صدام متكافئ و3 غيابات تهدد المارد الأحمر    محافظ القاهرة: أعلى قيمة لساعة انتظار السيارات 10 جنيهات    الصحة": نستهدف المشاركة في مبادرة الاتحاد الأفريقي لتوفير 60% من احتياجات القارة من اللقاحات البشرية مُصنعة محليًا بحلول عام 2040    إصابة 5 أشخاص بحادث تصادم سيارتين في الفيوم    ليفركوزن يفاوض مدافع ليفربول    الرئيس اللبناني: قررنا زيادة قوات الجيش في جنوب الليطاني إلى 10 آلاف جندي    رئيس الوزراء: الخميس 26 يونيو إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية والخميس 3 يوليو إجازة بمناسبة ذكري ثورة 30 يونيو    10 مشاهد من مران الأهلي الختامي قبل مواجهة بالميراس البرازيلي    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الأهلي وبالميراس    البورصة تعلن قيد أسهم "سولار سول للطاقة" بشكل مؤقت ب 25 مليون جنيه    ئيس الوزراء يقوم بجولة فى مشروع تصنيع أجهزة شاشات التليفزيون والهواتف المحمولة بمصنع "صافي جروب" ب 6 أكتوبر    موعد التقديم وسن القبول في رياض الأطفال وأولى ابتدائي بالأزهر 2025    شيخ الأزهر لوفد طلابي من جامعتي جورج واشنطن والأمريكيَّة بالقاهرة: العلم بلا إطار أخلاقي خطر على الإنسانية.. وما يحدث في غزة فضح الصَّمت العالمي    ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 818 حكمًا قضائيًا خلال حملات أمنية بأسوان ودمياط    ننشر نتائج الطلبة المصريين بالخارج من مرحلة الابتدائي وحتى تانية ثانوي    «منخفض الهند الموسمي» | ظاهرة جوية تلهب ثلاث قارات وتؤثر على المناخ    نتائج جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة في مجال مكافحة جرائم السرقة    ترحيل إجازة 30 يونيو 2025.. قرار رسمي بالتفاصيل    الرقابة النووية والإشعاعية تستهل حملتها التوعوية من مدينة بنها لطمأنة الجمهور ومجابهة الإشاعات في ظل الاحداث الإقليمية    الكرملين: دخول الولايات المتحدة في الصراع الإسرائيلي الإيراني بالغ الخطورة    أحمد الجنايني يرد على شائعات ارتباطه ب أيتن عامر    الدموع تغلب ماجد المصري في حفل زفاف ابنته | صور    بعد تداول أنباء ارتباطهما.. 10 صور تجمع أحمد مالك وهدى المفتي    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    إسرائيل: قصفنا مفاعل آراك ومواقع نووية في بوشهر وأصفهان ونطنز    إنهاء العقد.. قانون العمل يوضح مصير العامل حال العجز الكامل أو الجزئي    الصحة: الارتفاع غير المبرر بالولادات القيصرية يؤثر سلبًا على جهود الدولة    وزير الصحة يترأس الاجتماع الأول للمجلس الوطني للسياحة الصحية    حمدي فتحي: نسعى لتحقيق نتيجة إيجابية أمام بالميراس    الرزق ليس ما تملك..بل ما نجاك الله من فقده    محافظ الدقهلية يستقبل نائب وزير الصحة للطب الوقائي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    خارجية أمريكا: نطالب جميع موظفى السفارة فى تل أبيب وأفراد عائلاتهم بتوخى الحذر    بونو يحصل على التقييم الأعلى في تعادل الهلال وريال مدريد    وسط تصاعد التوترات.. تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية في طهران    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    ريبييرو: مواجهة بالميراس صعبة.. وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيق الفوز    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    كوريا الشمالية عن الهجمات الإسرائيلية على إيران: تصرف غير قانوني.. وجريمة ضد الإنسانية    تامر حسني وهنا الزاهد يتألقان في دور السينما المصرية ب "ريستارت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجربة التنموية الفيتنامية.. نموذج لثقافة مضادة للانغلاق
نشر في اليوم السابع يوم 04 - 09 - 2017

تشكل الزيارة المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسى إلى فيتنام فى سياق جولته الأسيوية الحالية حدثا غير مسبوق فى تاريخ العلاقات بين الدولتين الصديقتين وتعيد للأذهان تاريخا ثقافيا ثريا بقدر ما تنطوى على فرصة لإطلالة على التجربة التنموية الفيتنامية التى تحظى باهتمام كبير من المثقفين المصريين والعرب كنموذج لثقافة مضادة للانغلاق والتحجر الأيديولوجى أو التشنج العقائدى.

فزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لفيتنام هى أول زيارة يقوم بها رئيس مصرى لهذه الدولة الصديقة فيما تتضمن سلسلة اللقاءات والمباحثات بين الرئيس وكبار القادة والمسؤولين الفيتناميين سبل تطوير العلاقات الثنائية وتعظيم الاستفادة من الإمكانات والقدرات المتاحة لدى البلدين بما يسهم فى فتح آفاق أرحب لتعزيز التعاون المشترك فى مختلف المجالات ويتناسب مع العلاقات التاريخية التى تجمع بين مصر وفيتنام اللتين ترتبطان أيضا بعلاقات وثيقة مع الصين ودول مجموعة (بريكس) على وجه العموم.

وتتضمن محاور قمة بريكس التى يشارك فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى وتستضيفها مدينة "شيامن" الصينية لتستمر ثلاثة أيام، تنشيط حركة التبادل الثقافى بين الشعوب..فيما اتفق المعلقون على أن مشاركة مصر فى هذه القمة يعبر عن الأهمية المتزايدة لحضورها العالمى ووزنها الدولى.
ويتفق العديد من المحللين والمعلقين على أن مصر مؤهلة للانضمام لتجمع (بريكس) الذى يضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ويتجاوز عدد سكانه بلدانه نسبة 40 فى المائة من مجموع سكان العالم، ويعد من أهم التكتلات الاقتصادية الدولية فيما تسهم دوله مجتمعة بنسبة تقدر بنحو 50 فى المائة من إجمالى النمو العالمى خلال العقد الأخير.

وإذا كانت مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى قمة (بريكس) التى تعد أهم تجمع للاقتصادات الناشئة عالميا تؤكد قوة ومكانة الاقتصاد المصرى على الصعيدين الإقليمى والدولى كما أوضح المهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة الذى صرح بأن إجمالى تجارة مصر مع دول البريكس وصل إلى 20 مليار دولار فى العام 2016 فيما ارتفع حجم التجارة بين مصر والصين إلى 11,3 مليار دولار.

ولئن أفادت التقديرات المعلنة على صعيد العلاقات المصرية - الصينية بقوة الروابط المتنامية بين الدولتين سواء فيما يتعلق بعدد الشركات الصينية العاملة فى مصر أو الاستثمارات الصينية فى أرض الكنانة فضلا عن عدد السائحين الصينيين فإن للعلاقات المصرية - الفيتنامية أن تشهد فى ضوء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى المزيد من النمو والتطورات الإيجابية فى مجالات متعددة.

وواقع الحال أن مصر وفيتنام معا تنطلقان بقوة فى طريق النمو والصعود الاقتصادى فيما كانت دراسة مستفيضة صدرت بالإنجليزية لمؤسسة (برايس ووتر هاوس كوبرز) بعنوان " العالم فى عام 2050: هل سيستمر التحول فى القوى الاقتصادية العالمية" قد أكدت هذه الحقيقة.

فقد أكد الباحثان جون هوكسورث ودانى شان فى هذه الدراسة أن مصر صاعدة لتكون قوة من القوى الاقتصادية الكبرى فى العالم، وأوضحا أن مصر التى كانت تحتل فى عام 2014 المركز الثانى والعشرين عالميا فى إجمالى الناتج المحلى حسب تصنيفات هذه الدراسة وبياناتها ستتقدم صاعدة للمركز السادس عشر بين أكبر القوى الاقتصادية فى العالم عام 2050. .أما فيتنام ومعها نيجيريا فستكونان الدولتان الأسرع نموا خلال هذه الفترة.

وستكون الصين حسب هذه الدراسة القوة الاقتصادية الأولى فى العالم لتتجاوز الولايات المتحدة الأمريكية التى قد تنافسها الهند أيضا لتزيحها عن المركز الثانى وهما قوتان فى مجموعة "بريكس" ولهما علاقات وثيقة مع مصر وفيتنام اللتين تتشابهان فى عدد السكان حيث يقدر عدد سكان فيتنام بنحو 90 مليون نسمة من بينهم نسبة كبيرة من الشباب كما هو الحال فى مصر.

ومنذ بداية الشطر الثانى لثمانينيات القرن العشرين قررت فيتنام التحول من الاقتصاد القائم على المركزية والتدخل الشامل للدولة إلى اقتصاد يقوم إلى حد كبير على آليات السوق وخلق بيئة اقتصادية جاذبة للاستثمارات الخاصة والأجنبية بما فى ذلك الاستثمارات الأمريكية على الرغم من موروث الذكريات المريرة "للحرب الأمريكية فى فيتنام".

وفيما يلاحظ معلقون وكتاب عن حق أن "فيتنام" لها مكانة خاصة فى قلوب وعقول أجيال من المصريين كرمز للمقاومة إبان ماعرف بالحرب الفيتنامية فى ستينيات القرن العشرين فإن هذه الحرب التى كانت القوات الأمريكية طرفا رئيسا فيها مازالت حاضرة بقوة فى الأدب الأمريكى والغربى عموما كحدث كبير ترك تداعيات متعددة فى أوجه الحياة الأمريكية بعد أن تكبد الأمريكيون نحو 50 ألف قتيل فى هذه الحرب.

وفى العام الماضى كانت الرواية التى فازت بجائزة بوليتزر الأمريكية الشهيرة فى فئة الأدب تدور حول "الحرب الفيتنامية" وهى "رواية المتعاطف" وكان صاحبها يوصف "ككاتب مغمور" قبيل الإعلان عن فوز روايته بهذه الجائزة.

فلجنة التحكيم فى جوائز بوليتزر عمدت عامئذ لأسلوب المفاجأة السارة عندما اختارت رواية لمؤلف لم يسمع عنه أحد من قبل لكن الرواية جيدة للغاية والأهم أنها العمل الأول لفيت ثانه نجوين الذى يؤكد اسمه من أول وهلة أنه فيتنامى الأصل والأكثر أهمية فى هذا السياق أن الرواية تتناول الحرب الفيتنامية والفترة التالية لنهايتها فى منتصف سبعينيات القرن العشرين.

ورواية "المتعاطف" لفيت ثانه نجوين نالت استحسان الكثير من القراء والنقاد وبالطبع بعد فوزها بجائزة بوليتزر قفزت مبيعاتها مرات ومرات، وتلك هى القيمة الحقيقية لهذه الجائزة التى تعد أهم الجوائز الثقافية فى الولايات المتحدة.. فالرواية الفائزة بجائزة بوليتزر تقفز بسرعة لصدارة قوائم المبيعات.

وبطل رواية "المتعاطف" هو "جاسوس شيوعى نصف فيتنامى ونصف فرنسى" ويعيش حياة مزدوجة فى لوس أنجلوس أما مؤلف الرواية ذاته فهو ينتمى لعائلة من اللاجئين الفيتناميين فى الولايات المتحدة وشب عن الطوق فى ولاية كاليفورنيا وكان معجبا دوما بروايات وقصص الجاسوسية .

وإذا كانت رواية "المتعاطف" تتناول الحرب الفيتنامية كما تستعرض وقائع ما بعد انتهاء هذه الحرب التى تورطت فيها الولايات المتحدة فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى فإن الحرب الفيتنامية تركت آثارا فى الثقافة المصرية باعتبار أن هذه الحرب كانت تعبر فى أحد أبعادها عن ثقافة المقاومة لدى الشعب الفيتنامى الذى تفيد تقديرات بأنه فقد نحو مليونى شخص من أبنائه فى هذه الحرب التى كانت الترسانة الحربية الأمريكية تلقى فيها بأحدث أسلحتها وأكثرها فتكا فيما تعرضت العاصمة الفيتنامية الشمالية حينئذ "هانوى" لغارات مدمرة.

وكانت مصر قد بادرت بفتح سفارة فى هانوى العام 1963 وفى ذروة ماعرف بالحرب الفيتنامية وسط تعاطف كبير على كل المستويات بما فى ذلك الجماعة الثقافية المصرية مع كفاح الشعب الفيتنامى من أجل الحرية.

وهكذا احتفل مثقفون مصريون بانسحاب القوات الأمريكية من فيتنام فى منتصف سبعينيات القرن الماضى وتوحيد شطرى فيتنام الشمالية والجنوبية وكتب الشاعر أحمد فؤاد نجم قصيدة تغنى بها الشيخ إمام عيسى وتقول كلماتها :" سايجون عادت للثوار فوق الدم وتحت النار".

وقبل ذلك نعى هذا الثنائى الفنى المصرى الراحل "نجم - إمام" قائد الثورة الفيتنامية هوشى منه الذى قضى فى الثانى من سبتمبر عام 1969 وكان الفيتناميون يلقبونه "بالعم هو اللطيف" وهو الذى قاد أيضا المقاومة ضد الاحتلال الفرنسى لفيتنام فى خمسينيات القرن الماضى فيما أنزل الجنرال الفيتنامى المقاوم جياب هزيمة ساحقة بالقوات الفرنسية فى معركة دارت رحاها عام 1954 وذاع صيتها باسم معركة "ديان بيان فو".

ومازالت الذاكرة الثقافية المصرية والعربية تحتفظ بكلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم فى قصيدته التى نعى فيها الثائر الفيتنامى الأسطورى هوشى منه الذى أطلق اسمه على العاصمة الفيتنامية القديمة سايجون وجاء فيها "مات الصديق الوفى للخضرة والغابات.. بس فات الأمل فوق الطريق علامات.. لو سار عليها العمل طول الطريق بثبات تهدى الغريب سكته وتقرب المسافات".

ولن تنسى الذاكرة الثقافية الغربية تلك المحاكمة الثقافية أو محكمة الضمير الثقافى الغربى للحرب الأمريكية فى فيتنام، والتى أقيمت إبان احتدام هذه الحرب تحت اسم "محكمة جرائم الحرب" بعد أن شكلها المفكر البريطانى الشهير برتراند راسل فى سياق مناهضة الحرب الأمريكية على فيتنام.

كما أن العديد من المعجبين بأسطورة الملاكمة الراحل محمد على كلاى لن ينسوا أنه رفض المشاركة فى الحرب الأمريكية بفيتنام فيما وضعه الكاتب ديفيد رينميك فى مجلة النيويوركر جنبا إلى جنب مع أعظم عظماء أمريكا مثل الشاعر والت ويتمان، والبطل الشعبى ديفى كروكيت، والفنان الموسيقى دوك الينجتون.

فاسم "فيتنام" حاضر بالفعل بقوة فى الثقافة العالمية والغربية بعد أن أفضت الحرب الفيتنامية لتداعيات عميقة فى الحياة الأمريكية واقترنت بظواهر اجتماعية مثل "الهيبيز" كظاهرة اقترنت بحراك اجتماعى وسياسى فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى و"سنوات الحرب الأمريكية فى فيتنام.

وإذا كان الفنان الأمريكى بوب ديلان الذى فاز بجائزة فى الأداب فى العام الماضى قد توهج إبداعه فى الشعر والغناء والتلحين فى هذا المناخ الثقافى الأمريكى المعادى للتدخل العسكرى فى فيتنام فللكاتب الأمريكى الراحل ويليام وارتون الذى قضى العام 2008 قصة عنوانها "هاجس الطيور" التى كانت قصته الأولى وتحولت إلى فيلم سينمائى بعنوان "بيردى" عن صديقين يعودان للوطن الأمريكى من حرب فيتنام فيما يعانى أحدهما من اضطرابات نفسية بعد أن تسلط عليه هاجس التحول إلى طائر.

وفى كتابه "الأبواب" يتحدث المؤلف جريل ماركيوز عن فريق الأبواب "ذى دورز" الموسيقى-الغنائى الذى بلغ ذروة شهرته فى أمريكا والغرب خلال النصف الثانى من ستينيات القرن العشرين كصيحة احتجاج فى عالم الموسيقى أثناء الفترة التى يصفها "بالأيام الرديئة حيث الحرب المسعورة التى كانت تشنها أمريكا فى فيتنام".
واللافت أن هناك رسائل أو أطروحات دكتوراة فى جامعات مدنية غربية عن قضايا عسكرية أو استراتيجية متصلة بقضايا الحرب تشكل فيها الحرب الفيتنامية المحور الأساس مثل أطروحة الدكتوراة التى تقدم بها دافيد بتريوس المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية العام 1987 لجامعة برنستون فى الولايات المتحدة وكانت بعنوان:" المؤسسة العسكرية الأمريكية ودروس فيتنام..دراسة عن الفعالية العسكرية واستخدام القوة فى مرحلة ما بعد فيتنام".

ورغم كل المرارات التى خلفتها هذه الحرب فإن فيتنام والولايات المتحدة دخلتا فى "علاقة شراكة شاملة" العام 2013 وكانتا قد أقامتا علاقات دبلوماسية كاملة منذ عام 1995 فيما تفيد تقديرات وإحصاءات معلنة أن الولايات المتحدة باتت ثانى أهم الشركاء التجاريين لفيتنام ولا يسبقها سوى الصين.

وكما لاحظ معلقون بحق فإن "العالم يتغير ولا أحد يمكنه أن يعيش للأبد فى ذكريات الماضى غافلا عن متغيرات الحاضر"، ومن هنا مثلا فإن فيتنام هى المورد الثالث عشر للولايات المتحدة حاليا كما تفيد إحصاءات معلنة بأنها ثانى أكبر مصدر للملابس للسوق الأمريكية بينما استقبلت"جمهورية فيتنام الاشتراكية" ثلاثة رؤساء أمريكيين هم: بيل كلينتون فى عام 2000 وجورج بوش عام 2006 وباراك أوباما عام 2016.

وهكذا أيضا لم تغلق" فيتنام الاشتراكية" الأبواب أمام الاستثمارات الأمريكية والأجنبية عموما ما دامت ستفيد الشعب الفيتنامى الذى قاتل ببسالة فى الماضى ضد القوات الأمريكية لكنه يمكنه أن يستفيد الآن من استثمارات أمريكية فى مجالات متعددة وخاصة تكنولوجيا المعلومات.

ولعل بعض المعلقين والمثقفين المصريين والعرب الذين طالبوا بدراسة التجربة الفيتنامية لم يجانبوا الصواب غير أن أهم ما فى هذه التجربة يتمثل فى "المرونة الفائقة فى التعامل مع متغيرات العصر ومخاصمة التحجر الأيديولوجى أو التشنج العقائدى الذى يفضى للموات ويلحق أضرارا جسيمة بجماهير الشعب" وهى مسألة قد تتجاوز فى أهميتها مظاهر استرعت اهتمام هؤلاء المعلقون مثل التفوق فى صناعة المنسوجات وجذب الاستثمارات الأجنبية والإدارة الناجحة للمنشآت الاقتصادية التابعة للدولة فكلها مظاهر لجوهر يتمثل "فى المرونة الفائقة ومخاصمة التحجر الأيديولوجي".

وهاهى مصر تمضى مع فيتنام على الطريق نحو المستقبل الأفضل بعيدا عن الجمود أو التحجر وبنظرة حريصة على مصالح الجماهير فيما تتشابه ملامح التجربتين التنمويتين فى البلدين حاليا فى ذلك الاهتمام الكبير بتوسيع قاعدة النمو الاقتصادى ومنح مزايا للشباب وصغار المنتجين مع تنويع الصادرات والأسواق.

وإلى جانب العلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية الآخذة فى التصاعد بين مصر وفيتنام فإن البعد الثقافى لا يغيب عن التعاون بين الدولتين الصديقتين فيما تقدم مصر حسب بيانات منشورة عددا من المنح الدراسية لطلاب وباحثين فيتناميين من بينها 12 منحة لدراسة اللغة العربية بجامعة القاهرة فضلا عن ثلاث منح بجامعة الأزهر الشريف..معا نعود لجذور مضيئة فى التاريخ ومعا ننطلق نحو المستقبل والفجر البهى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.