ماذا يحدث عندما يضرب الإحباطُ العامُ جماهيرَ الشعب تحت الإحساس المُهين بالذل للاستسلام للإرهابيين الذين يريدون فرض شروطهم بالسلاح وبالترويع؟ وهل يحق لجيل يعيش لحظة محددة من عمر الوطن أن يرفع الراية البيضاء أمام عصابة مُموَّلة من الخارج وتتآمر مع أعداء البلاد على فرض سياسات يرفضها الشعب، ثم يُسلِّم هذا الجيل الوطن للأجيال التالية وقد استتبت فيه أوضاع كارثية هى الدليل على الفشل والعجز والجبن عن المواجهة؟ ثم ماذا يفعل أبناء المستقبل وقد تعاظمت المهمة أمامهم بسبب استقرار الإرهاب وبسط نفوذه وزيادة قوته؟ هل يستسلمون بدورهم ويدعون الأمور تتفاقم لمن يأتى بعدهم؟ هذه أسئلة تفرض نفسها على أبناء مصر هذه الأيام مع كل مرة يخرج فيها صوتٌ يتحدث عن المصالحة مع جماعة الإخوان، حتى لو كان الكلام ملفوفا بعبارات مموهة، كأن يُقال إن علينا الانتباه والتذكر أن الإخوان فصيل من نسيج الوطن! هذا صحيح، ومثله أن الفاسدين الذين سيطروا فى زمن الهوان على السلطة صاروا هم أيضا فصيلا آخر من نسيج الوطن، وكذلك أهل النصب والاحتيال والرشوة والدعارة والاغتصاب، حتى أطفال الشوارع هم أيضا من نسيج الوطن! حجة النسيج هذه واهية ومتهافتة، لأنها لا تنطوى دائما على تقدير إيجابى، كما أنها لا تضع معيارا واحدا فى التعامل مع كل ما هو من نسيج الوطن. أطفال الشوارع، مثلا، لم يختاروا هذا الحال لأنفسهم، وهم أعجز من أن يعالِجوا أوضاعهم، وهى مسؤولية عامة على الجميع أن يمدوا يد العون لإنقاذهم كأبناء لهذا الوطن، وكجزء من نسيجه، من حال غير إنسانى يفضى إلى مستقبل كارثى، وهذه سُبَّة فى جبين كل معاصر لها لا يشارك حلها. ولكن، فى حالات أخرى ينبغى أن يكون التصدى بقوة تختلف فى نوعيتها وحدتها من حالة إلى أخرى، هكذا يجب أن تكون مواجهة النصب والاحتيال والرشوة والدعارة والاغتصاب..إلخ، أما مواجهة من يرفع السلاح ومن يُحرِّض على رفعه ومن يُموِّل ومن يساعد فيجب أن تكون بأقصى قوة متاحة وبلا رحمة! وقد رفع الإخوان السلاح وحرَّضوا على رفعه وموَّلوا وساعدوا، وأعلنوا ذلك لمن كان يدافع عنهم مستنكرا إتهامهم بلا دليل! فقد تطوعوا بالإعلان وتوفير الدليل المُفحِم على قنواتهم الفضائية، وهم مطلقو السراح دون أن يورطهم أحد فى قول، بأنهم تنازلوا عن السلمية، وأحرجوا من يدافعون عنهم بالاعتراف بأنهم هم الذين يُفجِّرون أبراج الكهرباء، وعندما نبَّهت المذيعة قائلهم إلى أن هذا يؤذى المواطن المصرى العادى، قال بكل صفاقة إن هذا المواطن هو الذى رضى أن يعيش تحت حكم السيسى! أى أن الإخوان قرروا معاقبة الشعب على اختياره السياسى، بأكثر أساليب العقاب خسة! وبعد كل هذا لم يُبهَت المدافعون عنهم، بل قال بعضهم إنهم من نسيج الوطن! أما مسألة أن العنف وحده لا يكفى فى التعامل مع ظاهرة الإرهاب، فهذا لا ينفى أن العنف عامل أساسى فى مواجهة الإرهاب، وإذا لم يُمارَس العنف ضد حاملى السلاح فمتى يكون؟ هل يجوز أن تتحاور بالموعظة الحسنة مع من يخرجون لمواجهة الجيش بصواريخ مضادة للطائرات والدبابات؟ وهل يجوز استخدام العبارات المربكة عن أنهم من نسيج الوطن؟ هذا ورم فى نسيج الوطن لا يعالجه التدليك، بل البتر! وأما الأساليب الأخرى فهى جائزة، بل ومطلوبة، مع من وضعوا السلاح وقضوا عقوبتهم وانتقدوا ما اقترفوه، ومع الناشئة الذين تركتهم الدولة سنوات طويلة نهبا لمدارس التطرف، ومع الرأى العام الذى لا يخلو من متعاطف مع الإرهاب على غير بينة، وأما من كان على دراية فلن يردعه سوى حضور الدولة القوى. لقد ثبت أن تبنى مؤسسى الإخوان للعنف كان منذ نشأتهم الأولى حتى قبل تكوين الجماعة، ثم مارسوا الاغتيال الهمجى فى مراحل مبكرة ضد خصومهم السياسيين العزل، ولم يقعمهم إلا الدولة القوية فى عهد عبد الناصر. وهذه حقيقة يجب أن توضع دائما فى الاعتبار. وأما الغريب حقا، فهو أن الإخوان أنفسهم لا يعترفون بالوطن، الذى يراهم البعض جزءا من نسيجه، ولا يرون انتماءهم الأصيل إلا للأمة الإسلامية! وقد صرَّح كبيرهم لعبد الناصر أن أولوياتهم لا تتوافق بالضرورة مع ما تراه مصر من أولويات! وفى تاريخ ممتد لأقدم دولة فى التاريخ ضحى أبناؤها جيلا بعد جيل فى سبيل حماية تراب الوطن، قال أحد مرشديهم إنه لا يهم أن تكون حلايب وشلاتين فى مصر أو فى السودان، المهم أن تكون فى حدود الأمة الإسلامية، وإذا كان «اخوتنا» فى السودان يصرون عليها «ياخدوها»! هكذا، لا مانع لديهم من التفريط فى أرض الوطن ما دام أن هذا يدعم إخوانهم الفاشلين فى السودان الذين لايتورعون عن تفتيت بلادهم فى سبيل أن يستمروا فى الحكم! وهو نفس المنطق الذى يتنازلون به عن جزء غالٍ من أرض الوطن فى سيناء لإقامة إمارة غزة الإخوانية، بزعم أن هذا يحلّ مشكلة إخواننا الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال الصهيونى! القاسم المشترك فى كل عمليات القص واللصق فى أرض الوطن هو أن كل هذا يمشى بالمسطرة على خطة أمريكا فى تقسيم المنطقة! وقد أثبت الإخوان أنهم فى هذه المهمة أفضل لأمريكا من إسرائيل! أما المغالَطة الكبرى، فهى القول بأن الإخوان حزب سياسى مثله مثل غيره من الأحزاب! وهذا خطأ بالمطلق، لأن القانون يحظر أن يكون للحزب السياسى تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، أو أن يكون لديه سلاح، أو أن يكون مرتبطا بتنظيم أجنبى، كما يفرض القانون إشهار تمويل الحزب وميزانيته وبنود إنفاقه...إلخ المفارقة الحقيقية أن الإخوان أنفسهم لم يطلبوا أى مصالحة!!