فى صباح مُشرق، جاءنى صوته ضاحكا ومستبشرا، يسألنى عن الأحوال؟! فرحت بسماع صوته، وبهذه الروح المصرية الأصيلة، القادرة على الابتسام، بل الضحك فى أصعب الأوقات! وتذكرت أجمل أيام العمر، الأيام الأولى للثورة فى ميدان التحرير، حين تدفق بغزارة شلال خفة الدم المصرية، تعبيرا عن العزيمة والإصرار والصمود، فى وسط معارك الحرية والعزة والكرامة! وأشار «الخال» إلى تغير موقفى من جماعة الإخوان، فعلى مدى ست سنوات من الكتابة المنتظمة فى صحيفة «الدستور الأصلى»، كنت أكتب دفاعا عن الإخوان، وأعبر عن رفضى لكل ما يتعرضون له من اعتقال، وسجن، وتضيق، وبهدلة، ومحاكمات عسكرية ظالمة. وكثيرون من المفكرين والمثقفين والكتاب الأحرار كانوا يشاركوننى فى موقفى هذا، بل أكثر من ذلك، غالبية شعبنا، كان يتعاطف مع هذه الجماعة، لما تتعرض له من ظلم بيِّن. لكن بعد نجاح ثورتنا العظيمة، فى إسقاط الفرعون الأخير، تجلى لشعبنا شيئا فشيئا، الوجه الآخر لجماعة الإخوان، فقد عقدوا الصفقات المشبوهة مع قتلة فاسدين من العسكر، ثم انكشف كل شىء مع وصول عضو مكتب الإرشاد إلى القصر الجمهورى، فها هى قيادات جماعة الإخوان تعقد المزيد من الصفقات السرية فى الداخل والخارج، إلى درجة أنهم يتعاونون الآن مع عصابة المخلوع! ومن ثم يرى الأبنودى أن شعبنا أمامه أيام صعبة، لكنه لا يفقد تفاؤله لإيمانه بحكمة المصريين وصلابتهم، ولذلك يواصل إبداعه اليومى فى هذه المربعات البديعة، الكاشفة لحقائق الأمور، والمعبرة عن روح شعبنا، بلغته الساحرة، واستمع إلى هذه المقطوعة الساخرة: «يا إبنْ شعبى الجَحُود.. النِّعمة بايْنَه عَليك / وِتَمَلْمُلَكْ مِ النظام بصراحة حاجة تْعِلّ / بَعْد التَّلاتْ تِرْغِفَة حَتِبْقَى سَمْبَاتِيكْ / ويخِسّ كِرْشَكْ فإدْعِى للرئيس.. يا فْشِلّ!!». هذه الكلمات القليلة تجسد روح شعبنا الساخرة من الفشل الذريع لنظام الحكم، فأى شىء يمكن أن يطلبه المواطن من الحاكم أكثر من ثلاثة أرغفة؟! ويقول شاعرنا الكبير: «ياللى بتكره لون الورد / قول للربيع: «ارجع ما تجيش»!! / ولو عاوزنا نكره بعض / قول للبلابل: «ماتغَنِّيش»!! وفى هذا المربع الرائع إشارة واضحة إلى طبيعة شعبنا الطيب المُحب للحياة والفن والجمال، ومن ثم فنحن نرفض كل أشكال التعصب الدينى، والتشدد المذهبى، والتخلف الحضارى، فشعبنا صانع لأقدم حضارة، وصاحب أول دعوة للتوحيد، ولذلك فالروح المصرية الأصيلة متسامحة للغاية، والمصرى الحقيقى دينه الحب. وفى مربع لاذع، يُعبر عن حالنا جميعا، ونحن نتابع كل يوم ارتفاع أعداد الشهداء من أبنائنا الأبطال، يقول مبدعنا الكبير: «كإنكَّ ماشى بِمقَشَّة / تُقُشّ شباب عِشِقْ وطَنُه / تِحَلِّى..لَمّا تِتْعَشَّى.. / بِلَحْم الّلى حَيِتْدَفَنُوا!!». وفى كلمات الأبنودى رسالة واضحة، مكتوبة بأصدق لغة، وهى ذاتها رسالة كل المبدعين والمفكرين والكتاب والشعراء والفنانين المصريين، يقدمونها جميعا كسيمفونية متكاملة، دون أن ينتظر أحد منهم ردا، فهذه شهادتهم على هذا العصر.