حوار: منى سليم «مش باقى منى غير شوية دم ماقدرش أرميكى وأبيعهم.. يمكن فى مرة تحتاجينى شهيد هاحتاج يوميها الدم يمضى على شهادتى».. ذلك هو المعنى والمشروع الأساسى الذى تعكسه دومًا كتابات الشاعر الكبير جمال بخيت.. الرجل يغزل بأبيات شعره قصائد عن وجع المصريين وعن ثورتهم وعن إحباطاتهم والحلم المكسور بداخلهم، لكنه، مثلهم، أبدًا لم يفقد الأمل.. تمامًا مثلما لم يفقد الأمل فى وطن عربى حر منتفض آمن، فهو الذى قال «ارفع كل رايات بنى غازى.. من عمان وكفاية تعازى.. البحرين تحشد جزايرها يغرق فيها سليل النازى». شعر بخيت استشرف الثورة، وربما حرَّض عليها أيضًا، ويكفى هنا الإشارة إلى كلماته الساخرة عن التوريث فى قصيدة «الواد كبر» وهو يتحدث عن «الواد اللى لازم له قصر وحاشية مهرجان»، حيث إن «الحكم حلو وابن كلب».. ويبقى الحب والثورة والحرية معانى نابضة متجلية من ديوانه الأول إلى ديوانه العاشر الذى صدر قبل أيام بعنوان «دين أبوهم اسمه إيه!!».. عن الثورة ومستقبلها ومحاولات اختطافها كان حوار «الدستور الأصلي » مع الشاعر جمال بخيت.. وفي ما يلى نص الحوار: ■ «مدد.. مش باقى منى.. الواد كبر.. دين أبوهم إسمه إيه».. تلك هى قصائد ديوانه الأخير، الذى صدر بعد عام ونصف العام من الثورة، ورغم ذلك فقد جاء ليضم فقط قصائد التحريض والوجع التى كنت قد كتبتها فى العامين الأخيرين، فى عصر استبداد مبارك، فلماذا لم يغادر شعرك تلك المرحلة حتى الآن؟ - ليس كذلك بالضبط، ولكن أعتبر أن أدب الثورة لم يكتب بعد، وهو شىء طبيعى فى عمر الثورات التى تأتى أشبه بالزلازل، كما أن أدب الثورة فى رأيى ليس قصيدة يكتبها شاعر، وإنما هو تيار إبداعى يعبر عن روح تسكن جيلًا وتجذرت به كما كان مثلًا فى أدباء وفنانى ثورة يوليو. ولكن هناك استثناءات دائمًا، وعلى رأسها جميعها يأتى العبقرى عبد الرحمن الأبنودى، الذى دائمًا ما حظى بهذه الملكة أن يبدع فى لحظة الحدث المتفجرة فرحًا أو ألمًا. ■ لكنك خرجت علينا يوم تنحى وسقوط المخلوع بقصيدة «ارفع رأسك فوق انت مصرى»، فأين كان مكانها من الإعراب؟ - لا أعتبرها قصيدة بقدر ما هى تحيّة إجلال لهذا الشعب، الذى أنتج هذا الشعار التاريخى، وما كتبته كان مجرد تنويعات على لحنه العظيم. ■ هل تتفق مع الرأى القائل بأنك تبدع حيث يكون الألم أكثر من الفرح؟ - ليس بخيت وحده، ولكنها طبيعة الإبداع غالبًا. فالأعمال الأدبية الكبرى ابنة الألم. وكما يقول أديبنا الكبير توفيق الحكيم، لحظات السعادة بحياتنا بصفة عامة قليلة، والأديب عندما يعيش الألم يحاول تخفيفه بالإبداع، بينما فى لحظات السعادة فيفضل أن يعيشها ويستمتع بها فقط. كما أن الألم كان قد تجذَّر بنفوس المصريين بشكل رهيب، فى السنوات الأخيرة، بشكل لا يمكن احتماله أبدًا، فكان لا بد من أن تأتى القصائد على هذا النحو والدرجة من الألم لتمنح الأمل بنفس الوقت. ■ إذن فهو «الأمل المجروح» الذى كتبت به قصائدك بصفة عامة، وتحديدًا القصائد الأخيرة، والتى بدت أشبه بصرخات الخلاص، لكن هل كنت رغم ذلك على يقين من ولادة ثورة؟ - أى فرد يؤمن داخله بحتمية مقاومة الظلم لا يمكنه أبدًا أن يفقد الأمل. فإذا حدث ذلك فلم يكن هناك معنى لمقاومته، لأنها فى هذه الحالة لا تستهدف شيئًا. وعندما بدأت كتابة تلك السلسلة من القصائد الأخيرة من 2008 إلى 2011 كان بمخيّلتى أنى أكتب ديوانًا قائمًا بذاته وله ملامح مشتركة، فكما فعل الجبرتى منذ زمن هدفت من تلك القصائد، أن تكون مرجعًا تاريخيا شعريًّا لكل مَن يعود إلى تلك المرحلة من خلال الشعر. فهى رصد لأوجاع المصريين وتفصيل للشخصيات التى صمدت وقاومت، والأخرى التى خانت. قصدت أن مَن يقرأ يعرف مثلًا أنه فى يوم من الأيام بمصر كانت هناك قضية شهيرة اسمها «التوريث»، وقد استطاع المصريون القضاء عليه. ■ هل يعنى هذا أن أملك لم يعد «مجروحًا» بعد الثورة، وأنه بقضاء المصريين على «التوريث» قد انقضى الألم نهائيًّا؟ - بالطبع لا، فللأسف الأمل لا يزال مجروحًا ولكن بدرجة أمل أكثر ونسبة جراح أقل، لأن الخروج العبقرى للمصريين وإسقاطهم فكرة الحاكم الإله قد داوى داخلنا كثيرًا من الجراح. وأنا أعتبر نفسى من جيل محظوظ لأنه رغم كل المرارات التى عايشناها رأينا الحلم يتحقق بينما هناك مَن ناضل وأرهقه الزمن فرحل قبل أن يرى تلك اللحظة. ■ برأيك ما الذى نال من حلم المصريين؟ - أعرف أن هناك آلافا من التفاصيل الموجعة، خصوصا بحياة الناس اليومية من رغيف خبز وأنبوبة بوتاجاز ومرض، لكن حتى لا نظلم الثورة لا بد أن نقول مبدئيًّا إن هذا الإنجاز العبقرى الذى جاء بعد 7000 سنة من الحضارة المكتوبة وحدها غير مرضى عنه من القوى الإقليمية والدولية، وهناك محاولة لاختطاف الثورة والذهاب بها إلى أماكن لا يفترض أن تذهب إليها سواء جاء ذلك على يد قوى داخل مصر أو قوى إقليمية أو دولية أو بتحالفها جميعًا. ■ هل تتفق مع فرضية أن الثورة اختطفت؟ - أرى أننا مررنا بلحظة الميلاد وهذه الثورة تحتاج إلى أن تكتمل وستكتمل شاء من شاء وأبى من أبى، لكننا بالتأكيد سنحتاج إلى عشرات السنوات للوصول إلى مصر التى ننشدها، وهو أمر صعب، فعلى سبيل المثال كل مَن هم أقل من 40 عامًا فى مصر، وهؤلاء يمثلون غالبية الشعب المصرى، جاؤوا فى ظروف مأساوية، حيث لا علم، لا أخلاق، لا حياة كريمة، نتحدث عن بناء دولة 30% من سكانها يعانون من فيروس سى و40% تحت خط الفقر، فهو طريق طويل بالتأكيد لبناء شخصية المواطن المصرى وإعادة إنتاج شخصية مصر ومن لم يدرك شدة الموقف ويملك رؤية كاملة فسوف يعطل المسيرة بالتأكيد. ■ ما الذى يغيب عن رؤية جماعة الإخوان وهم يتصدرون المشهد حول شخصية؟ وماذا تقصد بدور القوى الدولية والإقليمية؟ - للأسف الحقائق تؤكد لنا كل يوم أن صفقات تمت بالفعل سواء بين الإخوان والعسكر من ناحية أو بينهم وبين قوى دولية على رأسها أمريكا من ناحية أخرى، من أجل اتخاذ الثورة فى اتجاه يحقق مصالح طرف أو تيار واحد، ونحن لا نملك وثائق، هى دائمًا ما تخرج بعد مرور اللحظة، لكننا نحكم على مدى وجود صفقات من عدمه من آثارها على الأرض، وهذا ليس حديثنا وحدنا، لكن الصحافة العالمية ترصد أيضًا. وفى رأيى هذا التنظيم وجوده الآن أصبح يطرح من الأسئلة أكثر مما يقدم من الإجابات، إذا كان الإخوان المسلمون فى مصر جزءًا من تنظيم دولى فمَن أعضاء هذا التنظيم؟ ما أجندته؟ مع أى أجهزة مخابرات فى العالم يتعاملون؟ لماذا لم يفسر لنا حتى الآن ما كشفه نواب بالكونجرس الأمريكى بأن إدارة أوباما قد صرفت مليارا ونصف مليار دولار على الإخوان المسلمين، وإذا كانت هذه الإدارة قد ردت بأنها ذهبت لتطوير الديمقراطية فى مصر؟ فلمن أعطوها بالأسماء والأرقام؟ ■ هل تطرح علامات استفهام أم اتهامات؟ - الاثنين معًا، فهناك استمرار واستمراء من جانب جماعة الإخوان المسلمين لهذا الوضع، وعليهم أن يحسموا سريعًا مسألة انتمائهم إلى الجماعة الوطنية فى مصر، وإلى أهداف مصر، لأنه تحت الشعار البراق «لا يوجد حدود بين المسلمين» ليس فقط من الممكن أن يسقط مفهوم الوطنية وإنما الأوطان نفسها. وفى أدبياتهم أحاديث كثيرة تقلل من قيمة الوطن للأسف، وفى ظل هذه التحركات الدولية قد لا يصبح هناك مانع مثلا فى توطين الفلسطينيين فى سيناء، فى حين أنه على النقيض لا يمكن لأحد أن يطالب المملكة السعودية التى ترفع قبل غيرها راية الإسلام بأن يكون اقتصادها لكل المسلمين. ■ لكنك فى قصيدتك الشهيرة «مدد» قلت: مدد يا عبد الناصر.. يا شيخ حسن البنا، كما ضمت القصيدة عشرات الشخصيات من كل التيارات، فما الذى حدث حتى تصل إلى تلك اللحظة المشحونة بالاتهامات؟ - هذه الجملة بتاريخ كتابتها هى إجابة فى حد ذاتها، ففى فترة النضال المشترك قبيل الثورة كان تقييمنا للإخوان المسلمين أنهم جماعة وطنية ووقفنا مع مواقفهم كثيرًا ولم نملك أبدًا ضدهم نظرة إقصائية، وحتى الآن نحن لا ننكر عليهم ما قدموا من تضحيات ولا دورهم كغيرهم فى الثورة. لكن هم مَن يتبنون الآن هذه النظرة الإقصائية ويرفضون الجميع، فضّلوا أن يعزلوا أنفسهم عن هذا المعنى العام للجماعة الوطنية ويفسرون كل ما يحدث فى إطار ضيق جدًّا وهو مصلحة الجماعة. ■ فى قصيدتك «الواد كبر» التى سخرت بها من توريث الحكم للابن، قلت «الواد كبر ولازم له.. قصر وصولجان».. ألا تخشى أن ينطبق هذا المعنى الآن على الجماعة الصاعدة للحكم؟ - هذا المعنى ينطبق على أى طرف متهافت على الكرسى لذاته. فهناك فرق بين من يرى الرئاسة وسيلة لتحقيق نقلة حقيقية وحضارية لوطنه. وبين مَن يراها وسيلة ليورث بها ابنه أو حزبه أو جماعته الوطن. ■ هل ترى أن القادم أخطر؟ - بالتأكيد القادم أخطر، لكن يكفى أن نشير الآن إلى مسألة «الدستور»، فهى أسوأ ما فعل الإخوان حتى الآن. وسوف يذكر التاريخ تلك اللجنة المشكلة للتعديلات الدستورية فى مارس 2011 بقيادة المفكر طارق البشرى، فهى المسؤولة عن كل ما وصلنا إليه حتى الآن. وسوف يذكر التاريخ أيضًا كيف تم استبعاد هامات مصر العالية بالقانون الدستورى منها فى حين ضمت بعضويتها مع احترامى للجميع رجل الجماعة صبحى صالح! ■ هل يفسر موقفك هذا حضورك الدائم للوقفات الاحتجاجية ضد عمل اللجنة التأسيسية الأخيرة؟ - بالتأكيد، أنا لا أستوعب أن تفكر جماعة فى أن مَن يفُز بالانتخابات يحق له أن يكتب الدستور وحده. هل هذا يعنى أنه كل خمس سنوات سوف نكتب دستورًا أم أن الجماعة تكتب دستورها لأنها ترى أنها باقية فى الحكم إلى الأبد؟! للأسف كما قلت هذه القضية كانت كاشفة أكثر من غيرها لطريقة تفكير إقصائى لطرف لا يرى إلا نفسه، ولعل ما حدث فى جمعة 12 أكتوبر للأسف بداية لمواجهة جديدة. ■ كيف يكون ذلك؟ وكيف رأيت الرد الشعبى بجمعة «مصر مش عزبة»؟ - «مصر مش عزبة» تعبير شعبى أصيل عما سيأتى، بمعنى أنه إما أن تدرك هذه الجماعة أنها ليست وحدها هنا وأن للآخرين الحق فى الوجود والتعبير، أو أن يتأكد لنا بمرور الوقت أن تلك الجماعة لا تعرف إلا لغة «العنف البدنى» حتى تدرك وجود الآخر. أتمنى أن لا تتكرر الاعتداءات بالميدان مرة أخرى وإلا سنكون عندها مستعدين لتقديم مليون شهيد جدد من أجل استكمال مسيرة الثورة إذا حاول أحد اختطافها. ■ لكن الواقع يؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين التى اعتدى أعضاؤها على معارضيها بالميدان جاءت إلى سدة الحكم عبر صندوق الانتخابات. - صندوق الانتخابات هو الفيصل حين تتساوى أوضاع الجميع، لكن برأيى أن الانتخابات الأخيرة ليست نزيهة لا بمعيار الصندوق بل بمعيار التحرك على الأرض. فنحن نتحدث عن ذراع سياسية لتنظيم لا نعرف حدوده ولا نعرف شيئًا عن مصدر التمويل الخارجى، ولا استحقاقاته. مع كل هذا لا يمكن الأخذ بالنتيجة فقط. ويبقى أن الشعب المعلم يتعلم أيضًا. ■ بالعودة إلى قصيدتك «مدد» نجدك تقول أيضًا «وعندى أمنية قبل الجنة إنى أشوف حزب وطنّا»، هل تعتقد أن هذا الحلم لا يزال بالإمكان، خصوصا بعد أن كتبت قصيدة «صوتى لحمدين صباحى» وأعلنت انضمامك إلى التيار الشعبى؟ - إذا تم حساب الأصوات التى ذهبت إلى مرشحى الثورة المنتمين عن حق إلى فكرة مدنية الدولة ستتعدى 75% من أصوات المصريين سواء مَن اختاروا صباحى أو أبو الفتوح، باعتبار الأخير كما طرح نفسه همزة الوصل بين فكرتين، أو حتى مَن أعطوا عمرو موسى انحيازًا إلى المدنية. والآن تخرج أحزاب كالدستور والمصرى الديمقراطى الاجتماعى وغيرهما، فالتيار الشعبى بالنسبة إلىّ هو المعنى الواسع لذلك المعبر عن الجماعة الوطنية المصرية، وإذا صح تنظيمه بالشكل الصحيح فبالتأكيد يمكن تحقيق هذا الحلم. ■ عبارة «إذا صح تنظيمه» تحتاج دومًا إلى أن نضعها بين قوسين. - بالتأكيد، فهى الفيصل دائمًا وتسرى على الجميع. ■ هل تخشى انتشار الأفكار التكفيرية، أم أنك تواجه أصحابها بشعرك «دين أبونا دقة عارفينها فى قلوبنا.. لما نخشع للإله.. لما نفرح بالحياة»؟ - لا أخشاهم، بل أرى أن عرض أفكارهم يجعلها عرضة لتقييم حقيقى من جانب الناس، وفى رأيى أن مَن يحاول إرهابنا من خلال صيحة «إنت كافر» فنخاف ونتوقف عن التعلم ونبقى رهن الحبس هو «صهيونى» سواء فعل ذلك عن دراية أو عدم دراية. ومن يقتل المجندين فى رفح هو «صهيونى» سواء كان مَن نفّذها وحدة من الجيش الصهيونى بجلابية وزبيبة فى الرأس أو مجموعة تكفيرية مخترقة، لأنه لا يقتل مجندًا مصريًّا إلا صهيونى. والحقيقة أن إسرائيل طالما اغتالت علماء وساسة عربًا لكن لم نسمع أنها قتلت «شيخًا»، وأستثنى هنا الوضع داخل فلسطين لارتباطه بالمقاومة. فلا يفكر أبدا الصهاينة المساس بهؤلاء الشيوخ لأنهم يخدمونهم أكثر من غيرهم بأفكارهم، فهم ينفذون أجندة الصهيونية، وأتعجب كيف هؤلاء يتهموننا بالعلمانية ويسارعون للحصول على جنسيات تلك الدول لأولادهم! ■ أنت مَن قلت «فقر الفكر سجنى.. والعدالة قصرى»، كيف تفسر غياب العدالة فى ما يتعلق بالقصاص للشهداء والمصابين حتى الآن؟ - الاستحقاق الأول والأخير بهذه الثورة للجميع وعلى رأسهم الشهداء هو الحرية، وأن يتحقق ما بذلوا الدماء من أجله ولو لم يتحقق فسنكون على استعداد لدفع الضريبة مثلهم مرة أخرى حتى يتحقق حلمهم، لأنه حتى لو تم القصاص ممن قتلوهم ثم تم إنتاج نظام جديد يفرغ قتلة جددًا، فهذا لا يعنى أن شيئًا تحقق، وأذكّر الجميع أن هتاف الشهداء كان «عيش.. حرية.. كرامة إنسانية». ■ تحدثت عن التكفير والصهيونية، وطالما تغنّيت بال«العروبة» وكتبت «لم الشمل»، فكيف ترى خطاب أول رئيس مصرى إلى الرئيس الإسرائيلى الذى قال فيه «صديقكم الوفى»؟ - كما قلت، أنا لا أحب أن تغرقنى التفاصيل، فماذا سيعنى خطاب بيريز أمام مليار ونصف مليار دولار تم ضخها إلى المنطقة لمحاصرة ثورتها؟ وماذا يعنى الخطاب أمام كارثة عدم ترسيم حدود مصر بمياه البحر المتوسط، حيث يُسرَق الغاز الطبيعى المصرى ورئيس الجمهورية لم يحرك ساكنًا ولم يأمر بفتح تحقيق وترك المليارات يوميًّا تُنهَب، وذهب لاستكمال قرض ب5 مليارات! أما عن المأساة التى تلوح فى الأفق، فعلينا أن نقول إن جماعة الإخوان لم تنتبه أن مصر هى الجائزة الكبرى فى هذه المنطقة وأن كل ما يحدث حولنا محاولة للاقتراب، فمن العراق إلى سوريا إلى لبنان وليبيا يمكن الوصول إلى مصر، عليهم أن يعلموا أن مصر على موعد مع لحظة صعبة ويجب أن تتوحد جميع قواها من أجل المواجهة وهذا لن يأتى بالطريقة التى يسلكونها. ■ نعود للشعر مجددًا، فطالما تميّز شعر جمال بخيت بأدائه الصوتى القريب جدًّا من قلوب الناس، فهل تعتقد أن القصيدة العامية ستبقى لأجيال كما كانت دائمًا ولادة ومنحازة وأكثر قدرة على التعبير عن هموم الناس؟ - شعراء العامية توحَّدوا مع نضال بلادهم لأجيال. وقد لاحظت مثلًا أن قليلًا ما نجد قصيدة عاطفية بالعامية ولا أتحدث هنا عن الأغانى كأنهم كانوا يخجلون من الالتفات عن قضيتهم السياسية. وقد اكتشفت مصادفة أن لدىّ شيئًا مختلفًا فى هذا بأنى حين تأتينى فكرة عاطفية أكتبها مثل قصيدة «قولى موافقة» بالديوان الأخير، وقلت فى مقدمتها إنه لا ثورة دون حب. لكن أعتقد أنه سيحدث يومًا أن يتوقف الشعراء عن كتابة الشعر السياسى وذلك عندما نصل إلى اكتمال حلمنا للوطن، ويتفرّغ الشعراء حينها للكتابة عن الحب بكل أنواعه والفكر والعلم. ■ وهل تعتقد أن تلك اللحظة ممكنة فى ظل الآلام المتصاعدة بالوطن العربى؟ - هى بعيدة، لكن يبقى أمل ولو مجروح كما قلنا. ■ هل ستعود لتكتب كما فى 2009 «بعد ما اكون مستنى تفك.. تعود من تانى تضيق وتعُكّ»، أم أن «الحلم الموجوع لم يعد من المرور ممنوع»، كما قلت فى رائعتك «مش باقى منى»؟ - لم يعد أحد يملك أن يمنعه من المرور، لأن الشعب يصنعه بيده. وأعرف أنها على أرض الواقع ما زالت «بتضيق وبتعك» وأن كثيرًا من الهموم فى بيوتنا كما هى، لكنى أتمنى أن تنتهى وأن لا أعود للكتابة عنها مرة أخرى.