عدّى النهار.. والمغربية جايّة تتخفّى ورا ضهر الشجر وعشان نتوه فى السكة شالِت من ليالينا القمر وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها جانا نهار مقدرش يدفع مهرها يا هل ترى الليل الحزين أبو النجوم الدبلانين أبو الغناوى المجروحين يقدر ينسّيها الصباح *** من أقصى الصعيد تخرج المعجزات، من بين حنايا النيل الحنون، ومن صخور الجبل، تنبت قلوب تجمع بين الحكمة والشدة، وتنحت أجسادا نحيلة قوية فى الوقت ذاته.. مثل جدارية فرعونية عتيقة لاتزال الروح فيها تدب.. ومن(أبنود) بقنا جاء الأبنودى العاشق الولهان فى حب مصر. قبل 70 عاما ولد الأبنودى هناك فولدت معه طاقة من الشعر والحرية بمذاق مختلف.. صحيح أنه ليس الشاعر والفنان المصرى الوحيد الذى عشق هذا الوطن، لكن عشق الأبنودى المضروب به كالمضروبين بحب السيرة الهلالية وأسرارها وفنونها ورواياتها المتواترة.. هو عشق بلا دواء والمضروبون به لا يرجون لأنفسهم منه الشفاء! هذا هو الأبنودى الذى يشبه فى تكوينه عود الزان.. جسده نحيل وصلب مثله، ورأس ناشفة مثل الزان.. صامد فى أصالة، تمر به المتغيرات والعواصف فيستوعبها فى حكمة وتعبَّر، وهو باق مثل شيخ قبيلة فى جوف الصعيد، قدت عظامه من حجر الجبل، وقلبه من طمى النيل الحنون.! الحبيبة عند الأبنودى هى مصر.. إياك أن تظن أن يامنة أو فاطمة قنديل هما من النساء اللاتى عرفهن الأبنودى بين خالة وأم وعمة.. إنهما مصر فى صورة مؤنث .. تتشكل فى قصائد بروح تتلون فى كل مرة بلون مغاير..ولا تظن أن المحبوبات اللائى شدا بهن حليم، ومن بعده محمد منير، هن حبيبات من فتيات الأحلام.. ففى كل قصائد الأبنودى المغناة حبيبة واحدة من بين الأبيات تطل جلية لأولى الألباب.. مصر. كتب الشعر فى الوطن وللوطن، من حراجى القط لأحمد سماعين وجوه مصرية عملت وشقيت وتفانت ولم تطلب لأنفسها شيئا.. هؤلاء هم أبطال الأبنودى.. المصريون البسطاء الغلابة - الأشداء فى الكفاح بلا مقابل إلا أنهم البناءون العظام الذين كتب لهم الأبنودى ولايزال. الأبنودى شاعر الحب المصرى باللهجة الصعيدية والعامية القاهرية أيضا كتب فى حب مصر فى السلم وفى الحرب بين 1967 و1973 كتب أروع قصائد الحماسة ولم يتخاذل، ولا انهزم كالآخرين.. فى عز ضلمة الهزيمة بشر بالنصر وفى النصر كان أكبر القوالين.. وفى السلم جمع وحقق ونشر السيرة الهلالية ليس فقط لأنه مضروب بها ولا لكونه أهم محققيها والعارفين بفنونها وأسرارها، وإنما أيضا – ولعله الأهم – أراد أن يحفظ بها الذاكرة الوطنية من الضياع، الهوية جمر يقبض الأبنودى عليه بيد من حديد وذاكرة من نور ساطع، فى زمن تباع فيه الهويات وتشترى! ولم يكن غناؤه للوطن كافيًا.. كان عليه ككل العشاق أن يدفع الثمن، انضم بقلبه وعقله للمشروع الناصرى لكنه كعود الزان الناشف المتين تصدى لسلبيات المرحلة فدخل السجون الناصرية، وفى عهد السادات لم يسكت عما رآه خطأ.. ظل الأبنودى طوال الوقت مقاتلا بالشعر، تعب منه القلب ولكن العظام قوية متحملة والعقل يبدع والقريحة تجود، والريح تعصف كل صباح، غير أن خيمة الأبنودى لاتزال منصوبة أوتادها ثابتة مثل ثباته هو.. لا يمكن للريح اقتلاعها.. العاشق العظيم بداخلها وتخشى الريح صلابة قلبه الذى أفعم بعشق مصر!