لسوء حظى اضطررت أمس إلى المرور من أحد الشوارع الجانبية المحيطة بواحد من المساجد الكبرى، وقد توقف سير المرور تماما بسبب المشاة الذين أتوا إلى المسجد من كل فج عميق لأداء صلاة التراويح، بحجة أن إمام هذا المسجد «صوته حلو وبيخلى المصلين يعيطوا»! -هكذا قالت لى إحدى السيدات بعد سؤالها من نافذة السيارة، وقد لمحت فى يدها صينية حلويات وتُرمس شاى! إلى جانبى سيارة يضغط صاحبها على الكلاكس بشكل هستيرى، نظرت إليه باستنكار، فخرج من السيارة ووقف وسط الشارع يصرخ صراخا مختلطا بالبكاء: «حرام عليكم يا عالم.. أبويا بيموت.. الإسلام ماقالش كده.. ربنا ماقالش كده». لم أفهم بالتحديد ما كان يستنكره الرجل.. الزحام أم التراويح؟! ولكنى أعلم أنه ليس هناك فى الإسلام ما يسمى بالتراويح.. اسما ومضمونا، فهذه الصلاة التى اعتاد المسلمون على إدراجها ضمن عبادات رمضان (بدعة)، وإن كان يراد بها الاستزادة من الحسنات، فما قصة «التراويح»؟! فى ليلة من ليالى رمضان، صلى النبى فى المسجد، فصلى خلفه الناس، ثم تكرر الفعل فى الليلة الثانية والثالثة، وفى الرابعة صلى فى بيته، خشية أن يظن الناس أنها عبادة مفروضة عليهم، ولو أنها كانت سنّة أو إنه أراد أن تفرض لاستمر فيها، وقد وردت فى ذلك عدة أحاديث أشهرها حديث «عائشة» أن «رسول الله (ص)، صلى ذات ليلة فى المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله (ص)، فلما أصبح قال قد رأيت الذى صنعتم ولم يمنعنى من الخروج إليكم إلا أنى خشيت أن تفرض عليكم وذلك فى رمضان». ولم تُصلَّ بعدها هذه الصلاة طوال عهد النبى وعهد أبى بكر، أما عمر بن الخطاب فقد ارتأى له أن يجمع الناس على إمام واحد، عندما لمحهم فى إحدى ليالى رمضان يصلون فى المسجد متفرقين، فجمعهم للصلاة وراء أُبَىّ بن كعب، ولكنه مر بعد عدة أيام فوجدهم يكررون ما أمرهم به، فقال للصحابى عبد الرحمن بن قارى: «نعم البدعة هذه، والتى ينامون عنها أفضل من منها»، ويقصد بالتى ينامون عنها صلاة التهجد أو صلاة آخر الليل، أى أنهم ينهكون من هذه الصلاة التى وصفها ب«البدعة» فينامون بعدها، ويتركون صلاة التهجد التى هى خير منها. وأصبحت هذه البدعة عبادة رمضانية، يشق المسلمون بها على أنفسهم. ولأنهم يطيلون بها القيام والركوع والسجود، فإذا صلوا أربع ركعات استراحوا وإذا صلوا أربعا استراحوا ثم يصلون ثلاثا، سميت بصلاة «التراويح». هذا عن الرجال، أما عن النساء اللواتى اعتدن على أداء هذه الصلاة فأمرهن عجيب.. أولا لأنهن يعلمن أن صلاة المرأة فى بيتها أثوَب، استنادا إلى حديث أم حميد التى قال لها النبى: «قد علمت أنك تحبين الصلاة معى، وصلاتك فى بيتك خير لك»، وثانيا لأن معظمهن يذهبن إلى الصلاة برفقة أطفالهن الذين يلعبون ويصرخون ويبكون داخل المسجد! وبعضهن يتشاركن فى الاستراحات أكل القطايف والشاى والتعارف واصطياد العرائس لأبنائهن! الذهاب إلى المسجد ليس رحلة، وصلاة التراويح ليست فرضا ولا سنّة، وكل تطوع ليس بواجب.