تلعب القوات المسلحة دورًا مهمًّا منذ احتدام الموقف فى مدينة بورسعيد، وحافظت على بناء قدر معقول من التهدئة إزاء الغضب العارم لمواطنى المدينة، وكان ذلك واضحًا من الأداء والتركيز المستمر من القوات حتى لا تتورط فى صدام مباشر مع الجماهير، أو أن تكون القوات المسلحة طرفًا مباشرًا فى الاشتباكات المتكررة، ويُعزَى هذا الموقف الراشد من الجيش إلى عدة أسباب: أولًا: أن القوات المسلحة استوعبت أخطاء الفترة التى تولى فيها المجلس العسكرى السلطة فى أعقاب 11 فبراير 2011، ومن الواضح أن القيادة الحالية واعية للتجاوزات التى ارتكبتها القيادة السابقة. ثانيًا: تحتل القوات المسلحة مكانة رفيعة فى قلوب أبناء بورسعيد حينما تعاون رجالها وأهالى المدينة فى تلاحم كامل لمقاومة احتلال القوات البريطانية فى أثناء العدوان الثلاثى سنة 1956، وبالطبع فإن القوات المسلحة أيضا تحمل نفس المشاعر تجاه أبناء المدينة ولا تريد الإساءة إلى هذا الموروث الوطنى التاريخى. ثالثًا: الهدف الرئيسى من وجود القوات المسلحة فى المدينة هو حماية المرفق البحرى الأهمّ والمؤثر على العلاقات الدولية والمقصود به قناة السويس، الممر الملاحى الذى يشكّل أحد أهم مصادر الدخل الرئيسية، وقد نجحت القوات الموجودة فى المدينة ومدن القناة الثلاث فى تأمين قناة السويس تأمينًا كاملًا دون تورط فى أى مشكلة أمنية مع أى طرف من الأطراف، ويتم هذا فى إطار حماية الأهداف الحيوية للدولة. رابعًا: يدرك القادة داخل القوات المسلحة أن إقحام أفرادها فى الشأن السياسى بصورة أو بأخرى تصرُّف غير محمود يضرّ باستقرار القوات المسلحة لتضارُب ذلك مع العقيدة العسكرية التى نشأ عليها الفرد داخل الجيش، مما يتسبب فى بلبلة يدرك القادة مدى خطورتها وتأثيرها الضارّ على البناء المتماسك داخل القوات، مما يضعف السيطرة ويعرِّضها للقلاقل. خامسًا: يملك القادة فى القوات المسلحة حسًّا وطنيًّا رفيعًا يجعلهم يحافظون على هذه المؤسسة التى استطاعت -رغم أهوال الفترة الماضية- أن تحافظ على صلابتها وسلامة بنيانها الوطنى والعسكرى، وصارت بهذا الجهد المؤسسة الوحيدة التى استطاعت أن تكفل سلامتها وكفاءتها بين مؤسسات الدولة كافة. لذلك يمكن القول إن أداء الجيش المصرى فى هذه المرحلة المضطربة والخطيرة أصبح يشكل صمام أمان يصون الدولة من حالة انهيار كاملة متوقعة فى ظل استمرار ارتباك وتجاهل القيادة السياسية، ويمثل دور العسكريين فى بورسعيد نموذجا للحس الوطنى المتجرد بعيدا عن أى انحياز إلى فئة بعينها أو قوة سياسية بعينها مع ثبات الخطاب المسؤول لوزير الدفاع الذى يعبِّر عن نهج القوات المسلحة فى أنها حامية لمقدَّرات الوطن ومطالب الإرادة الشعبية. وعلى الرغم من كل هذا الأداء الحريص لقواتنا المسلحة، فإن الغموض يحيط بموقف الاشتباكات فى بورسعيد وتتضارب الروايات الرسمية والشعبية والإعلامية نتيجة تطور الأحداث بوتيرة متسارعة والزيادة الكبيرة فى وفاة عدد الضحايا وضخامة أعداد المصابين وحدوث إصابات فى صفوف عناصر القوات المسلحة فى سابقة أولى منذ تولى الرئيس محمد مرسى مقاليد السلطة وانتشرت شائعات قوية فى المدينة بأن الشرطة قامت بالاشتباك مع رجال القوات المسلحة فى أثناء محاولة الفصل بينها وبين الجماهير الغاضبة ويرجع سبب تفشى هذه الشائعة إلى أن علاقة المواطنين طوال الفترة الماضية كانت طيبة للغاية بجميع أفراد القوات المسلحة فى المدينة بينما يزداد التدهور فى العلاقة مع الشرطة، ورغم نفى المتحدث الرسمى للقوات المسلحة وقوع اشتباكات بين الجيش والشرطة فإن اللبس المحيط بالموقف على الأرض ربما أدى إلى تصرف فردى من بعض العناصر فى الشرطة تحديدا نتيجة الضغط العصبى الذى يتعرض له أفرادها طوال الفترة الماضية، وقد أشار العقيد أحمد على المتحدث العسكرى، إلى أن الإصابات فى الجيش والشرطة جاءت من آخرين استهدفوهم فى أثناء الاشتباكات، ويعكس هذا التصريح توخّى الحذر فى الإشارة إلى أن المواطنين فى بورسعيد ألقوا القبض أمس على أربعة أفراد مسلحين من «حماس» وأنه قد تم تسليمهم إلى قوات الجيش بالمدينة طبقا لتأكيدات مصادر متعددة من الأهالى داخل بورسعيد، وفى حالة صحة وجود عناصر من حماس فى المدينة فسوف يؤدى هذا إلى انقلاب فى قراءة الأوضاع والوقوف على أسباب حقيقية حول خرافة الطرف الثالث، ورغم أن القوات المسلحة لم تُصدِر أى بيانات أو تعليقات رسمية أو غير رسمية عن هذا الموضوع لحساسية وضع السلطة السياسية وتعاونها القوى مع «حماس» إلا أن هذه الرواية يجب أن تؤكَّد تماما أو تُنفَى تماما من أجل كشف الحقائق حول تفجر الوضع الأمنى فى بورسعيد ومعرفة كيف سقط الضحايا وكيف حدثت الإصابات فى أفراد الجيش عند تدخلهم للفصل بين المواطنين الغاضبين والشرطة وأيضا من المسؤول عن الإصابات والشهداء من المواطنين العزل وبعض أفراد الشرطة.