لأننا نعيش فى مرحلة عجيبة من تاريخ الوطن، ولأن «العك» قد تجاوز كل الحدود، لذلك تحولت زيارة دبلوماسية، كان يمكن أن تكون عادية، إلى قضية سياسية كبرى، شارك فيها بحماس اللاعبين على الساحة السياسية، من الوطنيين المخلصين، إلى الأرجوزات المأجورين، كما شغلت زيارة وزير الخارجية الأمريكى الرأى العام، واشتعلت بسببها المعارك فى جميع وسائل الإعلام، بالإضافة إلى اندلاع المظاهرات المناهضة لها فى شوارع المحروسة! وكالعادة انقسم الناس إلى فريقين، أحدهما يقبل فكرة لقاء الوزير الأمريكى، لمواجهته بحقائق الوضع فى مصر، والآخر يرفض لقاء يشى بتدخل أمريكى فى شؤوننا الداخلية! ومن مفارقات المشهد، إصرار البعض على رفض مقابلة الوزير الأمريكى، وفى نفس الوقت يتواصلون معه عبر حديث تليفونى مستفيض! والمفارقة الأخرى، تمثلت فى رفض البعض لأى تدخل أمريكى فى شؤوننا الداخلية، وفى الوقت ذاته، يطالبون الأمريكان بتقديم مساعدات اقتصادية إلى الشعب، ومساعدات عسكرية إلى الجيش! أما المفارقة الأعظم، فكانت فى محاولات كل طرف من الإخوة الأعداء استخدام الراعى الأمريكى، للضغط على الطرف الآخر! فمرسى وجماعته من جهة، وجبهة الإنقاذ من جهة أخرى، يتحدثون جميعا عن رفض أى تدخل خارجى فى شؤوننا الداخلية، فى حين أن كلا منهما كان يسعى لإقناع الوزير الأمريكى بضرورة الضغط على الطرف الآخر! ومن المؤكد أن كيرى حاول الضغط على كل الأطراف، فدعا جبهة الإنقاذ إلى دخول الانتخابات القادمة، ليمارسوا المعارضة البرلمانية، كما دعا مرسى إلى تنفيذ مطالب الجبهة، حتى ينضموا إلى العملية السياسية، فتنتقل المعارك من الاقتتال فى الشوارع إلى داخل البرلمان. وثمة من يرى أن الأمريكان يدعمون مرسى وجماعته، وهذا صحيح، لكن الأصح أن المصالح الأمريكية حتى الآن تسير فى هذا الاتجاه، فمرسى يلعب ذات الدور الذى لعبه مبارك، فى الحفاظ على أمن إسرائيل، لذلك يساعدونه، وينصحونه بتنفيذ طلبات صندوق النقد، حتى يحصل على قروض، تساعده على تجاوز الأزمة الاقتصادية، كما يطالبونه باحترام حقوق الإنسان، حتى لا يشتعل الوضع أكثر. لقد حذر كيرى جميع الأطراف من خطورة الوضع الاقتصادى فى ظل استقطاب سياسى، يُشعل الشارع فى حروب متواصلة، ويُفجر شلالا من الدماء لا يتوقف، إذ إن سقوط مصر فى الفوضى الشاملة يزعج الإدارة الأمريكية، ولذا يسعون بكل السبل للحفاظ على نظام الحكم الحالى، لكنهم لا يعلمون أن كل ما سمعوه من مرسى، من موافقة تامة على وجهة النظر الأمريكية، لا يعنى فى الواقع أى شىء على الإطلاق! أما لقاء كيرى مع السيسى، فيخالف كل التقاليد والأعراف السياسية والدبلوماسية، ويشير إلى وجود رأسين للدولة المصرية! وكذلك آخر لقاءات الوزير الأمريكى، والذى عقده مع مدير المخابرات العامة! مما يدل على تغلغل الدور الأمريكى فى الشأن المصرى. لكن الشباب الذى قطع طريق المطار أمام موكب كيرى، وعطله عن رحلته، قدم رسالة واضحة من شعب يواصل ثورته، حتى النهاية.