هذا اسم لفيلم بديع عن ثورة الجرافيتى المصاحبة لاندلاع ثورتنا العظيمة، فقد اشترك مجموعة من الموهوبين فى صناعة عمل فنى رائع، خلد إبداعات شبابنا الثوار من رسامى الجرافيتى على حوائط مصر المحروسة. وثمة مفارقة مثيرة للتأمل، إذ إن أجدادنا من الفراعنة المبدعين، الذين رسموا إبداعاتهم على جدران المعابد، بقيت أعمالهم الفنية عبر آلاف السنين، وحتى الآن يأتى إليها الناس من كل بقاع الأرض ليستمتعوا بمشاهدتها، فى حين أن أحفادهم من رسامى الجرافيتى، الذين انضموا بشجاعة ووعى إلى الثورة والثوار، وعرضوا أنفسهم لكثير من المخاطر، ودفعوا من جيوبهم الخاوية ثمن لوحاتهم الجميلة، ثم قضوا الساعات الطويلة، فى التعبير عن ثورتنا النبيلة بطريقتهم الخاصة، وبعد كل هذا، يأتى من يزيل -بمنتهى البلادة- أعمالهم المعبرة عن قيم ثورتنا، وأهدافها النبيلة! فقوى الثورة المضادة، والتى ما زالت تواصل محاولاتها فى تخريب ثورتنا المجيدة، لم تكن تحتمل الصبر على وجود هذا الجرافيتى طويلا، فالناس جميعا تشاهده فى الميادين والشوارع، وتتوقف أمامه، وتتفاعل معه، وتتأثر به، ومن ثم فبعض لوحات الجرافيتى عاشت -فقط- لعدة أيام قليلة، وبعضها استمر لساعات معدودة! إلى أن تحركت مجموعة من محبى هذا الفن وعشاقه، وصوروا هذه الجداريات المعبرة عنا جميعا، وأقاموا لها المعارض الفنية، ونشروها فى كتب قيمة، كما فعل الصديق شريف عبد المجيد، كاتب سيناريو فيلم «حيطان»، الذى صوره عمرو فودة، ومحمد عبد العزيز، وصنع له المونتاج بحرفية أحمد فيصل، أما الموسيقى التصويرية لهذا الفيلم، فتنقل المشاهد بسلاسة من حال إلى آخر، تبعا لمشاهد اللوحات، وتعبيرا عن كلام المتحدثين، فكم هو مبدع أكرم مراد. أما قائد فريق العمل من الموهوبين فهو المخرج المتميز حلمى عبد المجيد، الذى توارى تماما خلف اللوحات، والموسيقى، والتعليقات، والمشاهد، والكلمات، مما أتاح للمتفرج فرصة مدهشة للاستمتاع بالفيلم، والتأمل الهادئ فى مضمونه. وقد ظهر فى الفيلم مجموعة مختارة بعناية فائقة من الفنانين والنقاد، وكان لكل منهم ذوقه الخاص، ورؤيته الفنية المتميزة، فكاتبنا الكبير علاء الديب كان ساحرا فى حديثه التلقائى وتعليقاته المهمة، وكذلك الفنان الكبير محمد عبلة، ومعهم د.رضا عبد الرحمن، وعمار أبو بكر، وأحمد بيرو، ووليد عبيد، وكريستين صفوت، أما آية طارق فكانت نموذجا فذا لتجسيد الروح الإبداعية عند الفنان الحقيقى. وأحب أن أشير إلى المغزى العميق للإبداع الفنى على حائط فى الشارع، معرض لأن يُمسح فى أى لحظة، كما أنه مُعرض للتشويه، فهذا الفنان الذى رسمه دون أن يسجل اسمه عليه، ودون أن يتمكن من حمايته، مع الإصرار المدهش على مواصلة الإبداع، كلما تمت إزالته! هذه الروح الخلاقة المثابرة، هى روح ثورتنا النبيلة. ومن ثم فثورتنا مستمرة، ومتواصلة حتى نحقق كل أهدافها، وصور شهدائنا الأبرار، ليست مرسومة على الحوائط فحسب، ولكنها منقوشة بداخل قلوبنا، ولذلك قال مبدعنا الكبير علاء الديب إن اليأس خيانة لأرواح الشهداء.