السفيرة الأمريكية: الأرقام تعطى صورة قاتمة للاقتصاد..والانتخابات والدساتير ليست كافية رغم أن السفيرة الأمريكية فى القاهرة آن باترسون كانت حريصة فى خطابها فى نادى روتارى الإسكندرية (الأحد) على أن تتحدث بلغة غير مباشرة قدر الإمكان وعدم توجيه الانتقادات صراحة إلى الرئيس محمد مرسى وجماعته (الإخوان المسلمين)، على طريقة إدارتهم للاقتصاد خلال الفترة الماضية، فإن كلماتها كانت تقول بصراحة إن البلد يفتقر إلى قيادة حقيقية، وهى تصريحات ربما هى الأقوى من نوعها لباترسون، وتأتى فى وجود وزير خارجية جديد هو جون كيرى. وقالت باترسون فى خطابه الذى وضح أنه كان مُعدًّا مسبقا، وجاء فى أكثر من ألفى كلمة، قالت إن مصر خطت خطوات كبيرة فى العامين الماضيين منذ 25 يناير 2011، حيث «حدثت انتخابات اعتبرت بشكل عام حرة ونزيهة أدت إلى انتخاب رئيس جديد، على الرغم من الجدل الكبير الذى أثاره سير العملية وحدث استفتاء أيّد دستورا جديدا، لكنها قالت أيضا إنه «فى حين أن الانتخابات والدساتير جزء ضرورى من الديمقراطية، فهى ليست كافية. لكى تستكمل مصر المرحلة الانتقالية المؤدية إلى دولة ديمقراطية حرة، فإنها تحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير». وتابعت فى خطابها الذى نقله بيان للسفارة الأمريكية فى القاهرة، تلقت «التحرير» نسخة منه، أنه بعد عامين من الثورة، «حان الوقت للتركيز على الاحتياجات الاقتصادية الأكثر أهمية للشعب المصرى». وقالت بوضوح أكثر إن «الأرقام فى مصر ترسم صورة قاتمة: احتياطى النقد فى مستوى حرج، ما يقرب من 14 مليار دولار أو قيمة ثلاثة أشهر من الواردات». ونبهت إلى أنه فى حين أن هذا الرقم قد استقر منذ يوليو، ف«هذا فقط بسبب دفعات منتظمة من النقد من قطر وتركيا». هذه الأرقام -والحديث للسفيرة الأمريكية فى القاهرة- لا تأخذ فى الاعتبار مليارات الحكومة المتأخرة لشركات النفط، والأهم من ذلك أنها لا تسلّط الضوء على ما تستورده مصر -المواد الغذائية الأساسية ومنتجات الطاقة المكررة، والمحددات الرئيسية للاستقرار الاجتماعى. وحذرت من أنه «إذا لم تستطع مصر دفع فاتورة الاستيراد، فالناس لن يجدوا صعوبة فقط فى الحصول على أجهزة التليفزيون والسيارات، ولكن على البنزين والكهرباء والمواد الغذائية. وقالت باترسون إن البنك المركزى يحاول إدارة الانخفاض التدريجى لقيمة الجنيه لمستويات السوق، «وأنا أعلم أن البنك المركزى يتخذ خطوات للحد من دور السوق السوداء والرمادية فى صرف العملات الأجنبية». وفى رسالة ضمنية إلى الرئيس المنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسى وحكومته، قالت باترسون إن «كل اقتصاد يمر عبر فترات سيئة، ولكن الاقتصادات تعاود الانتعاش فقط عندما تلقى العناية اللازمة». وأوضحت: «هذا يعنى أن شخصا ما لا بد أن يحمل مسؤولية الحلول -حتى لو كانت صعبة- ويقود الطريق للخروج من الأزمة؛ يجب أن تقدم للناس رؤية عن كيف سيكافئ المستقبل تضحيات الحاضر». وتابعت أنه عندما يتم التعامل مع إدارة الاقتصاد كمنتج ثانوى للخلافات السياسية بدلا من وظيفة أساسية للقيادة السياسية. وهنا أكدت أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولى يجب أن تصل إلى نقطة نهاية، معتبرة أن «النظام الحالى لدعم الوقود والطاقة غير قابل للاستمرارية». وقالت باترسون إن أحدا لا يمتلك كل الأجوبة، ولكن هناك ثلاثة أشياء رئيسية يجب أن تفعلها مصر دون تأخير لإعادة تشغيل محركات النمو، وهى: أولا، تحتاج مصر إلى إبرام اتفاق ذى مصداقية مع صندوق النقد الدولى. والتوصل إلى اتفاق سيؤدى إلى فتح فرص التمويل من صندوق النقد الدولى ومصادر التمويل الأخرى، بما فى ذلك حكومة الولاياتالمتحدة، والأهم من ذلك سوف يرسل إشارة قوية إلى مجتمع الاستثمار أن مصر ملتزمة بإصلاح اقتصادها. وثانيا، قالت باترسون إن مصر فى حاجة إلى إصلاح قطاع الطاقة وإصلاح جذرى لبرنامج الدعم الذى لا يمكن احتمال تكلفته التى تصل إلى مليارات الدولارات كل عام. يمكن للمدخرات سداد قيمة المتأخرات، ومرة أخرى تأمين شروط الائتمان التى تحتاج إليها الواردات. وأخيرا فإن مصر بحاجة -حسب قولها- إلى صنع السلام مع ماضيها، وهى بحاجة إلى تقديم ضمانات علنية واضحة بأن المستثمرين فى مأمن من الأعمال التعسفية. فالعقود -بغضّ النظر عن توقيت وظروف توقيعها- سيتم احترامها إلا إذا ثبت عدم قانونيتها عبر نظام قضائى نزيه. وقالت إنه يجب أن يكون هناك إطار قانونى واضح يقضى باحترام العقود، وإنه لا يجب أن يكون من استثمر فى مصر فى الماضى مهدَّدا بالسجن أو الغرامات المالية الباهظة بعد سنوات لأن ذلك يضطر المستثمرين إلى الاستثمار فى أماكن أخرى. وأشارت إلى أنه عندما يثق المستثمرون بأنهم سيلقون معاملة جيدة، سوف يعودون إلى الفرص التى تقدمها مصر. إن الاستثمارات الجديدة هى أساس النمو الاقتصادى، لذا يجب رعايتها. وقالت باترسون إن «القيادة أمر صعب. وهى تعنى فى بعض الأحيان التضحية بالمكاسب قصيرة الأجل من أجل مصلحة أفضل للبلاد. ولكن من خلال بناء مصر أقوى، فإن هذا يجلب فى نهاية المطاف الفوائد لشعب مصر كله، وهذا هو ما تعنيه القيادة». وقالت باترسون إنه حان الوقت الآن لبناء الهياكل السياسية للبلاد، و«المؤسسات الحقيقية تحظى باحترام واسع من قبل جميع عناصر المجتمع وتكبح جماح القادة أو الجماعات التى قد تسعى لفرض إرادتها».