العثور على محمد الجندى عضو التيار الشعبى، فى أحد مستشفيات القاهرة. لا يمكن أن يتخيَّل أحد ممن قرأ هذا الخبر بهذه الصيغة المعاناة التى سبقت العثور عليه، وما زالت مستمرة. محمد الآن يرقد فى غيبوبة عميقة، أعمق درجات الغيبوبة، فى الرعاية المركزة، بعد أن خضع لكثير من الفحوصات استطاع الأطباء أن يؤكدوا أن الحالة شديدة الخطورة، بل تكاد تكون ميئوسًا منها. جذع المخ، هذا الجزء من الجسد الذى تعلّمنا بمجرد أن نسمع اسمه أن نفقد الأمل. لم يحدّد أطباء محمد ما السبب الذى أدّى إلى هذا الدمار الظاهر فى إشاعات مخه. يقولون إن هذه مهمة الطب الشرعى. لكن خيالى المتأثّر بخبرتى يقول لى إن محمد تعرّض لعنف مفرط، عنف استثنائى. «هذا العنف الذى يحاول البعض أن يساويه بعنف صبية تقذف حجارة أو حتى مولوتوف على جنود يرتدون ملابس النينجا ويحملون دروعًا ويضعون خوذات فوق رؤوسهم ويمسكون عصى كهربية وتحميهم مدرعات تطلق الغاز والخرطوش وأحيانًا الحى». محمد -غالبًا- ظل يُضرب على رأسه حتى تلفت كل خلايا مخّه، وعلى جسده حتى تكسّرت ضلوعه. محمد عمره، 27 سنة، عضو التيار الشعبى، من طنطا، وحيد أمه، متعلم تعليمًا جيّدًا ليصبح مرشدًا سياحيًّا، يجيد ثلاث لغات. والدته مدير عام فى الحكومة ووالده على درجة وكيل وزارة. أصحابه وزملاؤه بعد رحلة البحث الطويلة استقروا فى استقبال المستشفى ينتظرون أن يفيق، ليحكى لهم ماذا حدث له. فى المستشفى نفسه، يرقد شاب آخر اسمه عمر أحمد محمد مرسى، هو الآخر فى غيبوبة، أقل درجة من غيبوبة محمد، جسده النحيف ما زال يقاوم الانهيار الكامل، ووالده أيضًا ظل يبحث عنه طوال الأيام الماضية حتى وجده زملاء محمد الجندى يرقد مجهول الهوية، فاقدًا كل أوراقه. كان والد عمر يبحث عنه فى النيابات والأقسام والمحاكم، وقد لاحظ وجود اسم يشبه اسمه فى كشوف المعتقلين. عمر مصاب بطلق فى رأسه دمَّر جزءًا كبيرًا من مخّه. فيا أهل الدعوة لنبذ العنف، أرجوكم اعرفوا إلى مَن توجّهون خطابكم ووثيقتكم، واتجهوا إليهم وارحمونا. نحن لا نهتم الآن إلا بالبحث عن أبنائنا الذين تعرّضوا لأقصى أنواع العنف، ساعدونا بأن تبتعدوا عنا. الآلاف من أبنائنا يتعرّضون لعنف غبى انتقامى فى محاولة مستميتة لإسكاتهم. ونحن عاجزون عن حمايتهم أو مساعدتهم. نحن حتى عاجزون أن نعرف أماكنهم، ولا نصل إليهم إلا بعد أن يكونوا فقدوا أرواحهم أو جزءًا منها لا يعود أبدًا. حسبنا الله ونعم الوكيل.