حركة الشعب الغاضبة فى 25 يناير 2013 هى تجديد للثورة للإطاحة بنظام مرسى وحكم المرشد باعتباره الوجه الآخر لمبارك لست من الذين يميلون إلى الحديث عن الأمس إلا لضرورة، ولا للحديث عن الذات والدور الشخصى والانطباعات الذاتية والحكاوى إلا لضرورة أيضًا أو كإشارة سريعة، ودائمًا يشدّنى الحديث عن المستقبل من خلال قراءة الواقع بحقيقته دون حسابات أو مصالح شخصية، فالهدف الحقيقى للقلم بل الوظيفة الحقيقية للكاتب وممسك هذا القلم هى الدفع بالواقع إلى رؤى جديدة قد تسهم فى دعم رموز الحركة السياسية وجوانبها المختلفة إلى خيارات أفضل، فأمانة الكلمة ووظيفة القلم هى خلق حالة مستقبلية قد يتحرك صوبها الأمناء على حاضر الأمة والمخلصون لشعبها وللأمانة فقد كنت شريكًا فى ثورة 25 يناير 2011 قبل حدوثها «مرحلة الإعداد» وفى أثناء حدوثها بداية الغضب عند دار القضاء العالى حتى دخول التحرير مساءً، ثم تطوراتها خلال 18 يومًا حتى سقط مبارك فى 11 فبراير وما بعد ذلك وللآن، ولم أستطع الخروج من مربع الثورة وخياراتها الحقيقية حتى الآن، ولذلك لم تطاوعنى نفسى ولا ضميرى الوطنى الثورى على الترشح فى الانتخابات البرلمانية بعد الثورة التى استمرت 5 أشهر! باعتبار أن ذلك الخيار هو خطيئة سياسية بل وخيانة للثورة وما توقعته حدث بالفعل، وسأحاول سرد عدد من الوقائع الكاشفة لسلوك جماعة الإخوان السياسى الذى أكد وما زال أنها تمثل الوجه الآخر لنظام مبارك، الأمر الذى يستوجب استمرار الثورة حتى إسقاط النظام سواء الوجه الأول «مبارك» والوجه الآخر «الإخوان» على خلفية أن إسقاط رأس الثعبان لا يؤدى إلى وفاة الذيل بالتبعية، بل لا بد من مجهود إضافى لاستمرار ضرب الذيل حتى تخرج الروح تمامًا ويموت الثعبان تمامًا وحتى نستطيع أن نقول إن الثورة نجحت فى تحقيق شعارها «الشعب يريد إسقاط النظام» فالأمر لا يقف عند سقوط الرأس «مبارك» بل يستدعى التخلص من الذيل «الإخوان». فقد تشارك الإخوان معنا من خلال حضور رمزى لعدد من نواب الشعب من جماعة الإخوان والأعضاء فى البرلمان الشعبى فى أول تحرك عملى له فى وقفة احتجاجية صباح 25 يناير 2011 ولم تشارك الجماعة فى أى تحركات شعبية أخرى فى ذات اليوم ولا الأيام التالية حتى مساء يوم جمعة الغضب 28 يناير بعد اقتحام الثوار ميدان التحرير من كل صوب وإسقاط الدولة البوليسية ووزيرها حبيب العالى وهروب رجال الشرطة كالفئران المذعورة، الأمر الذى تسبب فى حوادث ضخمة للغاية فى أثناء عملية الهروب وهو ما شاهدته بعينى بعد وصول مسيرتنا من جامع الاستقامة فى ميدان الجيزة والالتحام مع مسيرة مصطفى محمود من المهندسين ومسيرة أخرى من الدقى إلى كوبرى الجلاء ثم كوبرى قصر النيل فميدان التحرير. وخلال المشاركة الرمزية أمام دار القضاء العالى صباح 25 يناير لعدد من نواب الإخوان كانت هتافاتهم لا تتجاوز باطل فتحى سرور، باطل أحمد نظيف.. إلخ، دون المساس بمبارك نهائيًّا أو جمال أو سوزان، بينما كانت أصواتنا ترتفع ببطلان مجلس الشعب المزور ونظام مبارك ونطالب بإسقاطه وإسقاط نظامه، وهو الأمر الذى دفع برجال الأمن لمحاصرتنا بعد تزايد الأعداد وقدوم الشباب عند العصر بأكثر من ثلاثة صفوف وبإحكام وبسيارات الأمن المركزى، وعندما ازدادت الأعداد القادمة من رمسيس ومن ناحية شارع 26 يوليو وكوبرى 15 مايو والتقينا عند تقاطع شارع رمسيس استطعنا كسر حواجز الأمن وانطلقنا فى التحرير فتسرّبت رموز الإخوان تدريجيًّا حتى اختفوا ولم يبقَ واحد معنا، واستمر وجودنا فى الميدان حتى منتصف الليل، حيث حضر رجال العادلى بكل الأساليب والأدوات الهجومية، وحصارنا من كل ناحية بقنابل الغاز والدخان، وكادت الكارثة تحدث لولا استطاعة الشباب الهرب من الشوارع الجانبية ورمسيس وميدان عبد المنعم رياض، حتى تمكن هؤلاء من تفريغ الميدان كما أمر العادلى ونفذ أوامره رجاله والموجود عدد منهم حتى الآن! عقب دخول ميدان التحرير تحركت حول الميدان مع بعض الزملاء والصحفيين وكنت ممسكًا بعدد من طلقات الرصاص والخرطوش الفارغة وقنابل مسيلة للدموع مكتوب عليها «صنع فى أمريكا»، ومضى تاريخ استخدامها ومحرم استخدامها أصلًا، وذهبنا إلى مقر الجزيرة بميدان عبد المنعم رياض بعد أن شاهدت بداية حريق مقر الحزب الوطنى ومحلقات المبنى وما رأيته يحتاج إلى عشرات الصفحات ابتداءً من هروب عساكر الحراسة حتى التفاح والسفن آب، اللذين أحضرهما مَن دخلوا المقر وحرقوه وأعطونى أمام الجميع التفاح والسفن آب، بل ولوحة مكتب أحمد عز نفسه وسط ذهولى وذهول المرافقين! وعندما دخلت قناة «الجزيرة» أبلغتهم فى المقدمة مدير المكتب أ.عبد الفتاح فايد بما يحدث وبدؤوا المتابعة وأعطيت لأحمد منصور الموجود آنذاك طلقات الرصاص والخرطوش والقنابل الأمريكية غير صالحة الاستخدام، وخرج على الهواء مباشرة ليعلنها على الجميع، ناسبًا إلى نفسه أنه حصل عليها، ناكرًا إعطائى هذه الوثائق له ودون إشارة أو ذكر لاسمى! فهو الذى لم يبرح مكتب الجزيرة بعد، لنفاجأ به فى أثناء اشتعال الثورة فى الميدان ودس نفسه وسط الثوار ليصبح ثائرًا، وباعتباره من الإخوان تصرف مثلهم ليركب الموجة والثورة، وفى أثناء إعدادنا بيانات الثورة شكَّلنا لجنة كنت منسقًا لها ومعى عدد من الثوار المحترمين الذين لم يكن أحدهم يغادر الميدان، طلب أحمد منصور الانضمام ليتاجر بعد ذلك بهذا الموضوع وتضخيم نفسه ودوره فى الثورة بكل أسف! وعندما أتت له التعليمات من الجزيرة بتضخيم دور الإخوان استضاف صفوت حجازى وغيره لعشر حلقات لكل واحد بصورة غير مهنية، وعاتبته بشدة على ذلك، واعترف بخطئه وأنه كان بصدد الإصلاح وإظهار بقية رموز الثورة إلا أن القناة أوقفت الأمر! بعد أن كان قد أظهر أن الإخوان هم الثورة وقادتها! خلال الأيام الثمانية عشر «25 يناير 11 فبراير 2011» بدأت مناورات الإخوان، حيث وافقوا على الاستجابة إلى دعوة الحوار التى أطلقها عمر سليمان نائب الرئيس، وأقروا أنه يحمل مشروعًا للإصلاح التدريجى يتضمن تعديل الدستور والإبقاء على حسنى مبارك حتى نهاية فترته ثم عدم ترشحه مرة أخرى.. إلخ، وبمجرد اشتراكهم فى الحوار ثار الميدان ضدهم، ولم يسمح لأى منهم الصعود إلى أى منصة بل تواروا خجلا بل كان بعضهم يتمسح فى الميدان بالوقوف معى وغيرى وأعلن بعضهم تبرؤه من حوار عمر سليمان.. وعندما لفظهم الميدان جاؤوا ليعلنوا أنهم يصرون على تنحية مبارك حتى يستردوا بعضًا مما فقدوه من مصداقية لدى الثوار، ولا أود أن أشير إلى أسماء معروفة مثل محمد البلتاجى الذى جاء مكسورًا ومطأطأ الرأس بعد حوار الإخوان مع عمر سليمان وحضره الكتاتنى بعد هروبه من السجن وغيره ممن حضروا إلى الميدان متخفين تجنبًا لغضب الثوار الذى بادر بعضهم بطرد بعض رجال الإخوان من الميدان. ومن ثَم يتضح أن الإخوان كانوا شركاء مترددين فى الثورة، وليسوا شركاء حقيقيين والجلسات المتكررة مع رموزهم كانوا يكدون فيها عدم المبادرة بالتحرك فى الشارع إلا بعد التحرك من جانب القوى السياسية وبنفس الأعداد، وكانوا يرفضون الثورة بكل السبل، وأنهم مع الإصلاح التدريجى، وهم بذلك متسقون مع دعوة زعيمهم حسن البنا مؤسس الجماعة، الذى كان يرى فى الثورة فوضى، ولذلك لا يصدقهم أحد من المدركين حقائق الأمور أن الإخوان كانوا مع الثورة، لكنهم ركبوها لكى يستطيعوا جنى الثمار، وعندما لاحت فى الأفق بوادر انتصار الثورة بالإطاحة بحسنى مبارك يوم 11 فبراير بادروا إلى فض الميدان والاتجاه إلى عقد الصفقات مع المجلس العسكرى وفتح قنوات الحوار مع الأمريكيين حتى وصلوا إلى عقد صفقة «المثلث الشيطانى» التى كتبت عنها العديد من المقالات خلال عام 2011، ولم يكن ذلك بجديد، فأثناء حوارهم مع عمر سليمان وعقب موقعة الجمل فى 2 فبراير بادروا بإعلان جمعة الرحيل من ميدان التحرير يوم 2011/2/4 لولا تصدّينا لهم فى جلسة شهيرة فى غرفة العمليات ليلة 4 فبراير! ولذلك فإن الرجوع إلى ما نشر وما أُذيع فى الصحف والفضائيات والتليفزيون المصرى كفيل بكشف المستور عن مدعى الثورية وسوف يأتى يوم ليس ببعيد للكشف عن دور الثوار الحقيقيين وليس المزيفين وراكبى الموجات والانتهازيين الذين يتصدرون المشهد ويخدعون الناس البسطاء وعندما تصدر مرسى المشهد فى خطيئة انتخابات الرئاسة ومشهدها الأخير المصنوع بين شفيق «رمز النظام المخلوع» ومرسى «رمز الخداع والمراوغة» اكتشف الشعب من خلال مجمل سلوكياته السياسية وحنثه بالقسم وعدم احترامه دستور أو قانون وانقلابه على المجلس العسكرى ومخادعته القوى السياسية أو عدم الوفاء بالوعد وفشل تكوين مجلس رئاسى ائتلافى أو حكومة ائتلافية وفشل برنامج المئة يوم وتناقضات السلوك فى الداخل والخارج وعدم توافر رؤية شاملة لإعادة بناء الدولة المصرية وغلبة الطابع الإخوانى وانتمائه إلى الجماعة أكثر من الوطن الذى لا يعترف به، وكذلك جماعته، فضلا عن ميله إلى الرأسمالية التجارية المتوحشة امتدادًا لنظام مبارك وسياساته واستبدال جمعية المستقبل بجمعية «ابدأ» الإخوانية لصاحبها حسن مالك، والدفع بالدولة إلى مصيدة الديون وعقد الصفقات مع الإدارة الأمريكية والبنك الدولى وصندوق النقد والوقوع فى براثن تحالفات مع نظم عربية عميلة للأمريكان ومنفذة لأجندتها للإيقاع بالدولة والشعب فى مصيدة التبعية الأبدية لدولة مثل قطر ومحركها الولاياتالمتحدة الأ مريكية، وفى المقابل شعب غاضب ثائر وصل إلى كراهية نظام مبارك وتابعيه من الإخوان ورئيسهم مرسى، الأمر الذى يؤكد أن حركة الشعب الغاضبة فى 25 يناير 2013 هى تجديد للثورة للإطاحة بنظام مرسى والإخوان وحكم المرشد باعتباره الوجه الآخر والتابع لنظام مبارك الذى يسعى الشعب منذ 25 يناير 2011 إلى إسقاطه. عاشت مصر.. وعاش شعبها.. وعاشت الثورة.. وهى مستمرة حتى النصر بإذن الله.. وما زال الحوار متصلًا.