في ديوانه الجديد، «غرام افتراضي»، لا يصغي الشاعر سمير درويش إلى الأصوات التي تحيطه، فقط، بل إلى الإيماءات المصاحبة والحركات الدالة، وينقلها من فضاءاتها إلى الشعر لتكون شريط الصوت المصاحب لشريط الصورة الشعرية، تلك التي تتشكل لوحات مصبوغة برؤى وأحلام وخيالات، تتعامل مع الافتراضي. المأخوذ من الإنترنت- كأنه واقعي ملموس هي إذن لوحات شعرية تلغي المسافة بين المرئي بما يملكه من ضغط وقوة ويقين، إلى الافتراضي الذي تتدخل الحواس في تشكيله، كما تحب وتتمنى غرام افتراضي ينساب بين الغلافين من دون عوائق: بلا عناوين ولا أرقام، كأنه قصيدة واحدة طويلة، أو جدارية عريضة تضم ألوانا ممزوجة بعناية فائقة، وخطوطا، ودوائر، وأصوات، تتجادل مع كل ما يحيطها من ثقافات وموروثات، وجدالها مع القرآن هو الأوضح، حيث يعيد النص الشعري قراءة النص الديني من منظوره، كلغة ومضمون وقصص وأصوات، مما يزيده عمقا ناتجا من اشتباك الحديث مع القديم، وجزالة ناتجة من استعارة اللغة والتأثير القرآنيين، كما يمزج- في سياق واحد وبكلمات مختزلة السياسي بالعاطفي بالإنساني.. إلخ. في بداية كل صفحة، تقريبا، يضع سمير درويش جملة: «قالت لي» التي تصلح بداية جديدة، أو محطة للقراءة، يميزها عن بقية المدون بالصفحة باللون الأسود الثقيل، وفي نهاية الصفحة يثبت التاريخ الذي كتب النص فيه، وهكذا يمكن تقطيع القصيدة، اللوحة الكبيرة إلى مجموعة من «النصوص- اللوحات الصغيرة»، التي يمكن تلقيها منفصلة بالفعل، لكن جمالها الكلي لا يكون إلا بوضعها في سياقها الأوسع الذي يشكل تجربة كلية، يحرص الشاعر على وحدتها وتماسكها، فنيا ومضمونيا، منذ ديوانه الأول. صدر «غرام افتراضي» حديثا ضمن سلسلة «ديوان الشعر العربي» التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهو الديوان العاشر لسمير درويش في تجربته التي بدأها عام1991 بديوان «قطوفها وسيوفي»، غير روايتين صدرتا متتاليتين عامي 2004، و2006