فى يوم جمعة، منذ شهور، بعد الثورة، وقف إمام جامع الملك فيصل بالمطار بعد الصلاة، وحث رواد الجامع. إننا نريد من أصحاب الخير أن يسهموا فى شراء مستلزمات يحتاجها الجامع من سجاد جديد، وكولدير للمياه الباردة، وتكييف، وخص بالاسم السيد عمر سليمان الموجود فى الجامع وقتها، وقال الإمام: وأختص بالنداء السيد عمر سليمان للتبرع، وبعد انتهاء الخطيب من نداء أصحاب الخير المقتدرين، تجمع المصلون -وكان عددهم قليلا- حول عمر سليمان، يسلمون عليه، وانتهت القصة برحيل الرجل عن المسجد. وفى الجمعة التالية، بعد انتشار الخبر، ذهب عدد كبير من الناس إلى الجامع، وعلى رأسهم كم كبير من الأئمة ليسلموا على عمر سليمان، وفى نيتهم خروجهم فى تظاهر سلمى يطالبون بترشيح عمر سليمان رئيسا للجمهورية، لكن الرجل كان على علم بالعدد الكبير الموجود بالمسجد ولم يذهب للصلاة، فأرسل سائقه الخاص ليطمئن إمام الجامع بأن السيد عمر سليمان سيرسل ما طلبه تبرعا للمسجد الذى اعتاد صلاة الجمعة فيه، وبعدها كشفت إحدى الصحف عن سيدة تتبنى حملة ترشيح عمر سليمان للرئاسة، واكتشفنا أن الموضوع صحيح، وأضيف عليه أن السيدة أخذت إذنا بالموافقة على هذه الحملة من عمر سليمان نفسه، وفى الأيام الأخيرة ظهرت مواقع، وأخبار متناثرة عن نية عمر سليمان ترشحه للرئاسة وكان ضمن رجال الاستفتاء للرئاسة، ويحتل مركزاً متقدما كما قرأنا فى الصحف وعلى صفحات الإنترنت، ولا أعرف بالضبط هل الرجل ينتوى بالفعل ترشحه للرئاسة؟ فهو لا يتكلم إلا فى التحقيقات، أو للشهادة التى سربت على موقع أبناء مبارك، ولا أدرى هل يمكن أن يحدث هذا ويترشح، أم ما يحدث هو جس نبض. لا أشك مطلقاً فى وطنية هذا الرجل ولا أصدق ما قيل إنه صديق لدولة إسرائيل كما قيل، لأنى آخذ تصريحات رجال إسرائيل دائما بالعكس، لكن هذا الرجل مكث فى مقعده الخطير مديرا للمخابرات العامة ثمانية عشر عاماً تقريبا، وكان لصيقا بالرئيس المخلوع، وهى سابقة لم تحدث فى تاريخ أى جهاز خطير ومهم وذى سمعة إقليمية وعالمية مشرفة، مما يدل على تكلس حادث فى هذا الجهاز بجانب القضاء على أجيال كثيرة كان لها حق الإدارة وتجديد الدماء، لكن هذا ما حدث، ونأتى إلى النقطة الأهم، وهى وجود هذا الرجل الخطير فى أخطر أيام مصر المعاصرة وقت الثورة المجيدة، وقد تم حرقه بسهولة ويسر وغباء سياسى لا مثيل له فى تعيينه نائبا للرئيس، بما يعنى أنه امتداد لنظام فاسد فاشل فى إدارة البلاد، وفى إدارة نفسه وقت تعرضه لأزمة كما حدث فى ثورة يناير، إذن أصبح الرجل واجهة غير مقبولة للشعب فى خلال أيام قضاها نائبا للرئيس، أى أنه احترق سياسيا تماما فى الشارع المصرى وفى الحياة السياسية. واختتم حياته المهنية بشكل غير لائق لرجل تقلد منصبا حساسا، ونفس الشىء ينطبق على الفريق أحمد شفيق، الذى لا أشك فى وطنيته أيضا، لكنه وبتصريحاته وبلوفره السينيه الشيك، وبقربه والتصاقه بالرئيس المخلوع، وقوله الشهير بأنه سيعطى لكل فرد فى الميدان بنبوناية، استهزاء بالثوار وبالشعب الثائر، احترق تماما لأنه هو الآخر امتداد لنظام فاسد وفاشل، وهو الآخر ينتوى الترشح رئيسا للجمهورية ويقوم بعدة جولات، كان آخرها فى صلاة عيد الفطر فى الإسكندرية. أعرف أنه من حق أى شخص الترشح للرئاسة، لكن حقيقة الأمر أننا شعب ودولة فى جرح عميق لا يندمل إثر نظام حكمنا ثلاثين عاما، وأخذ الدولة المصرية إلى مستنقع من الفساد والمرض والفقر وأدى إلى تقلص دورها الإقليمى والعالمى. الجرح عميق، وانتهينا بعصابة كانت تحكمنا، جمعت كلها فى القفص بكبيرهم الذى علمهم السحر، دولة أوشكت على الموت تحت يد هؤلاء، وما زلنا حتى وقتنا الحالى ندفع ثمن العشوائية والفساد وسيستمر معنا حتى نتخلص منه ومن القهر والظلم الذى صنعه هذا النظام، لذلك أحترم كل رجال هذا النظام -ممن لم تثبت عليهم قضايا فساد- فى اعتزالهم الحياة السياسية ورجوعهم إلى عملهم الأصلى، تاركين الحياة السياسية التى أفسدوها وجلسوا على تلها الخرب، أما هذان الاثنان (سليمان وشفيق) فظهورهما على الساحة السياسية من جديد أمر غير مقبول، وسيقابل بالدم، لأن الثورة التى دفعت دماء شهدائها للقضاء على هذا النظام لا يمكن أن تسمح لتلك الوجوه للعودة للحياة مرة أخرى، ومن يدرى ومن يضمن لو جلس أحد من هذين الاسمين على عرش مصر أن يبرئ المخلوع أو ولديه بأى صيغة قانونية، كالعفو الطبى أو الرئاسى؟ من يضمن لنا ذلك؟ ألم يشبع الاثنان من السلطة والأضواء والشهرة والعمل السياسى؟ وقد أخطآ وأصابا، لذلك انتهى دورهما إلى الأبد، لماذا هذا الإصرار على الظهور المقيت مرة أخرى؟ الشعب، كل الشعب يكره هذه الوجوه ويكره الرجل النائم فى القفص، متخفيا خلف ولديه، النهم والأبله، حتى لو ظهر لهم محبون وهم قلة. الشعب اكتوى بنار حرقته وشوهته من هذا النظام، وهذه العصابة التى كانت تحكمه، لذلك على الاثنين أن يعلنا علينا اعتزالهما السياسة وعدم ترشحهما للرئاسة ويتركان مصر وشعبها تتعافى من جديد، لخلق مصر جديدة تزينت بصور شهدائها وتعطرت بدم شهدائها.. السيد اللواء عمر سليمان والسيد الفريق أحمد شفيق، الزما بيتكما وكفى، وإلا لا نملك إلا مزيدا من الدم لتكمل ثورتنا نجاحها ولو كره الكارهون. وفى مصر الآن مليون شهيد مستعدون لتقديم دمائهم كإخوتهم لنجاح الثورة .. الزما بيتكما.