فاجأنى بردّه على سؤالى «إيه إحساسك بالضبط بعد ماشفت المنوفية؟»، كان رده «صُعقتُ بما شاهدته من حال المنوفية وبخاصة عاصمتها!»، وتساءل «كيف تكون تلك المحافظة وهذه العاصمة هى بلد رئيس الجمهورية، حالها فى البنية الأساسية يُرثى له؟!»، وأكمل شهادته قائلًا «لم أكن أتصور أبدا حال المنوفية بهذا الشكل! إن عاصمتها تشبه قرية متمدينة»، فأجبته: إنها السياسة يا سيدى التى ظلمت تلك المحافظة كثيرًا. لا أعرف لماذا تذكرت هذا الحوار بينى وبين أحد المحافظين السابقين لمحافظة المنوفية، تذكرته هذه الأيام وبالذات فى المرحلة الثانية لعملية الاستفتاء على الدستور التى وقفَت فيها مصر كلها تنتظر رأى محافظة المنوفية وهى شبه متأكدة أن صوت «لا» سيكون الأقوى عند إعلان النتيجة، ومع أن صوت «لا» لم يكن أقوى بالدرجة التى إنتظرها البعض، فإن النهاية تثبت بلا أدنى شك أن المنوفية صاحبة صوت «لا» هى المحافظة الوحيدة فى المرحلة الثانية التى رفعت شعار «لا».. ومع أن مصر الساخرة ليس وراءها وليس أمامها إلا السخرية من المنايفة فى كل المجالات، فى السياسة والبخل وأيضا الاتهام الغريب الذى صاحب تلك المحافظة بأنها محافظة الفلول، وأنا شخصيا أؤكد أن المنوفية لم تكن فى يوم من الأيام فلولا، وأؤكد أيضا أنها لن تكون فى أى يوم من الأيام القادمة فلولا. تعالوا بنا ننظر نظرة موضوعية على تاريخ المنوفية الفلولى الذى يتحدث عنه المصريون بسخرية دائما.. لم يعرف أكثر المصريين أن محافظة المنوفية عندما كان نُوَّابها من الحزب الوطنى لم تكن محافظة أخرى على مستوى الجمهورية بها نواب غير نواب الحزب الوطنى، فلم تكن المنوفية منفردة بهذا التميز بل كانت واحدة ضمن عشرات المحافظات التى يمثلها نواب الحزب الوطنى.. ربما كانت المنوفية تمتلئ بقيادات عليا فى الحزب الوطنى، ومن خلال هذه القيادات ظهرت قيادات مساعدة لها داخل المحافظة بدرجة كبيرة، ولا بد أن يعلم الجميع أن ذلك كان مجالا لسخرية المنايفة منهم جميعا، الكبار والصغار، وأمطروا الحزب وقياداته بكثير من «الشلاليت» فى أوقات متعددة أثبت فيها المنايفة أنهم ينتخبون الأصلح فى الوقت المناسب. فلنقرأ قليلا فى تاريخ انتخابات محافظة المنوفية، وبالذات فى تاريخها الحديث، فليعلم الكثير أنه فى عام 1995 قاد الدكتور رمضان أبو الغار نائب رئيس جامعة المنوفية والمعارض الشرس من حزب العمل هو وحزبه ورفاقه، قادوا المحافظة للحصول على نتائج باهرة من خلال المجالس المحلية، فلقد حصل حزب العمل على 8 أعضاء بمجلس محلى المحافظة (فردى) وحصل على قوائم بندر شبين ومركز شبين والماى والبتانون، ليكون لأول مرة قوائم حزب معارض ناجحة كاملة فى مناطق مهمة بالمنوفية، ولا ينسى التاريخ السياسى للمحافظة أنه فى تلك الانتخابات سقط أمين شباب الحزب الوطنى سقوطا ذريعا أمام حزب العمل، ولا يعرف كثيرون أن فى انتخابات سنة 2000 سقط أكثر مرشحى الحزب الوطنى فى جميع مراكز المحافظة. المنايفة فى سنة 2000 انتخبوا من هو خارج الحزب الوطنى وأسقطوا قيادات الحزب الوطنى، ومع ذلك لم يفاجَؤوا أن النواب المختارين ذهبوا للحزب الوطنى. وفى سنة 2005 وانتخاباتها المثيرة كانت المنوفية منفردة كعادتها فى الصوت العالى ب«لا» للحزب الوطنى لتنتخب الأصلح فى الوقت المناسب فاختارت 18 نائبا من الإخوان، ولم ينجح فى 2005 من قيادات الحزب الوطنى المرشحين إلا كمال الشاذلى وعاطف الحلال فى الباجور وأحمد عز منفردا دون زميله فى مقعد العمال، وعاشت المنوفية مع نواب الإخوان من 2005 إلى 2010، ولم يروا منهم خيرا، فكان رأى الشارع أن تجربة الإخوان ليست على المستوى المطلوب كنواب للمنوفية، ثم جاءت انتخابات 2010 بما فيها من تزوير فاضح ومفضوح لينجح أعضاء الحزب الوطنى بمجلس الشعب بالتزوير ثم نصل إلى انتخابات 2011 ليعلن المنايفة من خلال الصناديق رجوعهم مرة أخرى لاختيار الإخوان المسلمين ليكون كل أعضاء مجلس الشعب على مقاعد المنوفية من الإخوان، وليكتشف المنايفة بعد ذلك أنهم اختاروا الوهم ويروا ممارسات برلمانية غير جديرة بالاحترام والتقدير من نواب الإخوان فى برلمان 2011، وفى تلك الفترة لم تكن ترى أى فرد فى الشارع فى المنوفية إلا ويلعن أيام الإخوان ونواب الإخوان، واليوم الذى انتخبوهم فيه. ألم نقُل لكم إن المنايفة دائما بعقولهم المستنيرة وتعليمهم الكبير وثقافتهم الواسعة قادرون على انتخاب الأصلح فى الوقت المناسب؟ لذلك كان ردّ المنايفة على نوابهم فى 2011 هو تلك الأصوات العالية التى خرجت تؤيد بقوة أحمد شفيق ضد محمد مرسى مرشح الإخوان فى انتخابات الرئاسة السابقة، فى تلك الأيام كان لا يمكن لأى أحد إلا أن ينتظر تلك النتيجة الكبيرة التى حصل من خلالها الفريق شفيق على ما يقرب من مليون صوت من المنوفية لأن المنوفية قد وعت الدرس، درس انتخابات 2011، جيدا، وردَّت على الإخوان المسلمين فى الصندوق باختيارها شفيق، لم تكن عندئذ تختار شفيق لأنه فلول بل اختارته لأنه ضد الإخوان المسلمين، ونواب الإخوان قد خذلوهم فى مجلس 2011، ونصل إلى الاستفتاء، ويتصور البعض أن نتائجه فى المنوفية لم تكن على المستوى المطلوب، فلم تكن كلمة «لا» ليست عالية بالشكل المطلوب، وهذا صحيح، وله أسبابه ودوافعه تتلخص فى أن المنوفية كمثل باقى المحافظات قد نُصب لها الفخ أن قول «نعم» للاستفتاء معناه الاستقرار والاقتصاد الجيد، ومع ذلك كانت «لا» أعلى من «نعم»، ولكن أنا على يقين أن انتخابات الشعب القادمة ستكون نتائجها فى المنوفية فاجعة للإخوان المسلمين، الشارع يقول ذلك بشرط أن تظلّ جبهة الإنقاذ متماسكة وتخوض معركة الانتخابات القادم بقائمة واحدة... لا تصدقوا أكذوبة أن المنايفة فلول.